ظاهرة انتزاع الأطفال من ذويهم في الغرب (1) توصيف وتقييم

ظاهرة انتزاع الأطفال من ذويهم في الغرب. [1] توصيف وتقييم.

تواترت الأخبار في عالم تحوَّل إلى قرية صغيرة، تفيد حالات سحب دائرة الشؤون الاجتماعية "السوسيال" لبعض أطفال المسلمين في بعض دول غرب وشمال أوربا.

وللأمانة العلمية فإني أؤكد على أن أبناء المسلمين، وإن كانوا مستهدَفين أكثر من غيرهم، إلا أنهم ليسوا الوحيدين. وملاحظة أخرى أشير فيها إلى أن في ألمانيا وهولندا مثلاً، يتم انتزاع الأطفال من ذويهم، في حال ثبوت تقصير الوالدين أو أحدهما تجاه أولادهم، وبحكمٍ من القضاء، يأخذ في عين الاعتبار تقرير المراقب الذي يأتي مرتين في الأسبوع ليتأكد من الحالة. ومن هنا فإن صراخ أفراد العائلة فيما بينهم، أو الحركة الزائدة للطفل، والتي تلحق الأذى بأقرانه في المدرسة، وكذا انشغال الأم بضيوفها أو بالتلفاز أو الهاتف لساعات طويلة، كل هذا قد يلحق الضرر، ويهدد استقرار العائلة.

والحالة في السويد مختلفة إلى حدٍّ كبيرٍ، فإن "السوسيال" هي سلطة عليا تفوق جهاز الشرطة، ودون سلطة المحاكم الإدارية، لكن من المؤسف وجود تواطؤ أكيد بينها وبين القضاء، وبيينها وبين مراكز الرعاية الاجتماعية. والحصاد المرُّ لهذا التنسيق المشبوه هو تحول هذا الجهاز إلى مجموعة من "المافيات"، تعمل على الاتجار بالبشر بشكل ممنهج ومقنن ومشوب بحقد صليبي جليٍّ وواضح. وهذا مؤشر على أن بعض الحاقدين من أصحاب القرار، خاصة في دولة السويد، لا زالوا يعيشون أجواء وثقافة الحروب المقدسة التي كانت في العصور الوسطى. هذه حقيقة، وكفانا تضليلاً للرأي العام وإخفاء للحقائق وتزييفاً لوعي الجماهير.

وقائع لا يمكن تصورأحداثها، إذ لا يعقَل أن تختطَف فتاة مسلمة، من مدرستها وبدون إخطار أهلها، لمجرد ارتدائها الحجاب في سنٍّ مبكرة، أو طالب انتقد دروس الثقافة الجنسية، التي تدعو إلى ممارسة الفاحشة بثوب مزخرف ومخادع. أو طالبة تحافظ على غشاء بكارتها بسبب ما تلتزم به من مبادئ!. ومن يتم اختطافه يذهب إلى عائلات بديلة ثرية يتعرض فيها إلى استغلاله جنسياً، أو إلى دور الرعاية الاجتماعية التي لا تعرف للقيم الإنسانية معنى.

وثالثة الأثافي أن ثلاثة من كل أربعة ممن تنحوا عن أهليهم، يصابون بحالات اكتئاب طويلة الأمد. ووفق إفادة المركز الوطني لمكافحة الجريمة في السويد، فإن قانون مراقبة الأجانب، وانتشار ثقافة الكراهية والعنصرية المقيتة، وبسبب خوف ربّ العائلة على هوية أولاده، يهرب بهم إلى المجهول، ليدفع ضرائب متتالية، تفوق الخيال وتنوء بحمل ثقلَها الجبال.

القانون الصادر في السويد منذ سنة 1982م، ظاهره الحفاظ على الطفل، إلا أنه يتسبب بنزع سبعة عشر ألفاً عن ذويهم كل عام، وعلى مدى عقود فقد بدأت الآن الأصوات تتعالى من أناس من السكان الأصليين في السويد، يتحدثون عن قسوة هذا القانون الجائر الذي بمقتضاه لا ينتزَع الولد لتعاطيه المخدرات أو لسرقة قام بها، بل لأن أبويه انشغلوا عنه ولو لبرهة يسيرة من الوقت!. والآن في أوساط العائلات المسلمة، لا يجرؤ الوالدان على توجيه أولادهم خشية أن يتسببوا في خسارتهما لهم، وهاجس الخوف هذا يقضُّ مضاجعهم، فلا يرقأ لهم جفنٌ ولا تكتحل أعينهم بنوم!.

والمعضلة الكبرى أنهم ينتزعون الأطفال بالشبهة، استجابة لعنصرية أو حظِّ نفس واتباع هوى!. وليس ثمَّة ضمان لعيشٍ أفضل في دور الرعاية أو العائلات البديلة، بل على النقيض تماماً، يخرجون من تحت "الدلف" ويقفون تحت "المزراب"! وتجاهلوا أن عاطفة الأمومة والأبوة هي أقوى من قوانينهم، وعتبي شديد على المؤتمنين على أوضاع المسلمين هناك، كيف تكسَّرت أقلامهم وخفتت أصواتهم طوال السنوات العجاف الماضية!. وهل يعقل أن يتم سحب الأطفال بشكل يومي منذ سنة 2012م، ولم يسمع لهذه المأساة صدى!.

ليس من المنطقي أن نضع إساءات الوالدين لأطفالهم، والنتائج الكارثية الناجمة عن إتمام حياة الأولاد بعيداً عن ذويهم، في سلَّة واحدة.

وسبق أن نشرت إدراة الشوؤن الإجتماعية بنفسها إحصائية في نهاية 2021م، تشير إلى أن أطفال الأجانب يتم فصلهم عن ذويهم بنسَبٍ مضاعفةٍ. كما كتبت عددٌ من المؤسسات الإسلامية، تقارير رفعتها للأمم المتحدة عن التمييز العنصري في السويد، وذكرت فيها مشكلة السوسيال, وذهب وفد من المؤسسات المسلمة إلى جنيف عام 2018 لتقديم تلك التقارير. إلا أن هذه الجهود المتواضعة، لم تؤت ثمارها، ولا بدَّ من حراكٍ فاعلٍ متزن وهادئ.

الأولاد تؤخذ من عائلاتهم ولا تعود، أو تعود عندما تجف عواطفهم اتجاه أهلهم، وبعد خضوعهم لغسيل أفكار متعمَّد.

من يقتل شخصاً في السويد أو في إحدى الدول "الاسكندافية"، عقابه حوالي اثني عشر عاماً، ويعيش حياة كريمة، وقد يفرَج عنه بعد مضيِّ نصف المدَّة؛ ومن يتم سحب اولاده يعزُّ عليه رؤيتهم!.

ومن الوقائع الثابتة والمؤلمة، على سبيل التمثيل لا الحصر، وفق ما أذاعه راديو السويد الناطق باللغة العربية، بتاريخ 10/11/2021م، قيام مصلحة الرعاية الاجتماعية في السويد؛ بأخذ طفل بعد يومين من ولادته!.

قسم الأمومة في مستشفى "سودرتاليا" أبلغ مصلحة الرعاية الإجتماعية قلقهم حول سلامة الطفل. والأب لا يتحدث اللغة السويدية، ولم يجَب طلبه بوجود مترجم في زياراته. كما أفاد محامي الطفل أن المحكمة الإدارية، قد قامت بحذف جزء من التحقيقات التي تصبُّ في مصلحة الأبوين، مما يبعث القلق على انعدام الحيادية في المؤسسات القضائية، في بلد تدعي فيه تقديس حرية الفرد "الليبراتس".

عشرات الحالات المأسوية، لا يحتمل المقام ذكرها هنا، ومما كتِب لها الانتشار الواسع، حالة تلك العائلة السورية التي فقدت خمس أولاد لها، بذريعة عدم توفر أهلية التربية ومقوماتها عند الأبوين (دياب وأمل)، وذلك منذ سنة 2018م وحتى اللحظة!.

وفي وقت سابق ظهرت أقلام حرَّة تدق ناقوس الخطر، ولعل أبرزها كتاب: "الاتجار المربح بالبشر"، لمؤلفه السياسي والبرلماني السابق "أوفي سبيدن". والمتوفر باللغتين الإنكليزية والسويدية على منصَّة Amazon. فمن رام التوسع في معرفة تفاصيل هذه المعضلة الشائكة، فلينظرها فيه.

ومن الغرابة بمكان، أن تأتي بعض القنوات الفضائية المشبوهة، من مثل قناة "الحرَّة"، لتدافع عن ممارسات السوسيال الخاطئة، والأغرب أن ينطبق المثل العربي، على الفاسدين في حكومة السويد، "رمتني بدائها وانسلَّت"، وتعمد وسائل الاعلام السويدية إلى محاولة يائسة بائسة، وبشتى الوسائل لربط الاحتجاجات بالارهاب بغية تضليل الرأي العام السويدي، وترويع المحتجين على طريقة الأنظمة الدكتاتورية!.

يتبع...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين