طريق النصر


 

 
 

 

بقلم : صلاح أبو إسماعيل

 
المسلمون كمجتمع رسم الله تبارك وتعالى لهم أهدافهم، ووضع لهم‌ قانونهم، وحدَّد لهم حقوقهم وواجباتهم، وامتنَّ عليهم بعد ذلك بقوله جل شأنه‌: [اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا] {المائدة:3}
 
وقد سار المسلمون على قانون السماء حقبة من الزمن فدانت لهم الدنيا،  وقبضوا على ناصية الخير!! ثم تركوا سبيل ربهم واتبعوا السُبل وأهملوا دينهم‌ الذي ارتضاه لهم فآل أمرهم إلى ما ترى من فساد شامل، واضطراب في كل ناحية من نواحي الكتلة الإسلامية.
 
والناظر المتأمل في أحوال المسلمين يرى أنَّ كثيراً من الأوضاع التي‌ اصطلح عليها مجتمعهم لا يقرها عقل ولا دين، فوق أنها تؤتي أخبث النتائج، وتنبت‌ أوخم العواقب. ومع ذلك فهي محل الرضا من الكثيرين أو أنَّها على الأقل‌ لا تلقى مقاومة ولا إنكارا.
 
 

ولهذا أصبح الإسلام كصارخ في واد !! لا يجاوبه إلا صدى صرخاته وأنَّاته، وصار الإنسان متمشياً مع كثير من مألوفات الناس ولو غضب ضميره وثارت نفسه !! ولذلك ضعف سلطان الخُلق تدريجيا، وتقلَّص‌ نفوذ الحجَّة، وأصبحنا نسير بدون غاية وإن ادَّعينا غير ذلك ونادينا به.

 
ولا أحسب هذا القول إلا قضية مسلَّمة، ومع ذلك فسأوجه النظر إلى بعض الأغاليط التي أودت بنا وساعدت على نمو الضعف وانتشار الفساد ومكنت‌ للعدو من المسلمين في شتى البقاع، وكانت عوائق للنصر الذي لا يكون إلا من عند الله تعالى.  
الظرف الذي يحيط بنا ظرف عَصيب، والتيار الذي يدنو منَّا تيار جارف، والمحنة التي تمرُّ بالمسلمين اليوم في منتهى الشدة والقسوة... ومن الخير أن نؤمن بهذا تمام الإيمان، وأن نواجه أنفسنا بتلك الحقائق، وذلك يقتضينا الاستعداد التام، والتأهب الدائم.
وإنَّ روح القرآن والسنة ونصهما مُتضافران‌ مع العقل على وجوب ذلك ولزومه، ونحن بذلك مُقتنعون. ولكنَّنا في الديار تابعون، وإلى الحياة الرخيصة جانحون وإلى الأرض مخلدون!.
 
 

فلماذا نكسل ونقعد؟ولماذا نلهو ونلعب؟ولماذا نؤثر السلامة والعافية،  ونحن نعلم أنَّ الحياة لذي الناب والظفر، وأن العزة للقوة التي مجَّدها وتغنى بها القرآن!؟.
 

علينا أن نحدث أنفسنا دائماً بهذا الحديث وأن نقنعها بمرارة الواقع، ثم‌ نحملها بعد ذلك على البذل والتضحية، فإنَّ ذلك بداية النجاح؛ وأولى خطوات‌ الجهاد، بل إنَّ ذلك هو ما سمَّاه نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم الجهاد الأكبر، إذ كان يقول إذا رجع من غزوة: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر! ألا وهوجهاد النفس! فاللهم يا من أعنتنا على جهاد أعدائنا أعنا على جهاد أنفسنا»...
 
وها هو سبيل النصر، وطريق الفوز يبيِّنه المولى تبارك وتعالى بقوله‌ الكريم: [قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لَا يَهْدِي القَوْمَ الفَاسِقِينَ] {التوبة:24}.
 
 

ذلك طريق العزة، وسلم الغلب: إقبال على الله وإعراض عن كل ما سواه،  وإنها لإحدى الحسنيين

 

وأنه لا يكفي لاستنزال نصر الله أن نتسلح‌ بالحديد والنار... بل يجب أن نوقن بأن أول خطوة إلى نصر الله تعالى هي أن‌ نكون مسلمين قلباً وقالباً، وقولاً وعملاً، ومظهراً ومخبراً، وحكومة وشعباً، وراعياً وراعية، ومن آيات ذلك التزام الطاعات واجتناب المعاصي.

 
فهل نحن كذلك؟ اللهم لا.  والحق أحق أن يتبع! إنَّ الخمور لا تزال تجد ميداناً فسيحاً في ديارناً. وإنَّ الحكومات لتصرِّح بها مختارة طائعة! وإن القمار هو التسلية المفضلة لدى الكثيرين تحت سمع المسؤولين وبصرهم! فهل هذا هو الطريق إلى نصر الله؟.
 
وإنَّ الإذاعة والصحافة ودور اللهو لا ترعى لله حرمة ولا تعرف للدين قَداسة... وإنَّ الزكاة ركن إسلامي مُعطَّل وفي الطاقة الأخذ بنظامها لتطهر القلوب وتزكو النفوس وتمحى الأحقاد ويتبدد الشقاء.
 
وإنَّ أخذ الأُهبة للقاء العدو لا يزال عسيراً بحجَّة واهية مع أنَّ في قوانين‌ الاسلام ما يَردع العاصي ويؤدِّب العابث!.
 
إنَّ البلد الإسلامي لا يزال يحكم بقانون وضعي مُقتبس من الغرب! وإن‌ موارد القوة عندنا في حراسة هذا القانون رهن إشارته. مع أن الواجب المقدس‌ ألا يعطل قانون السماء ودستور الله سبحانه وفيه الخير كلِّ الخير، وفيه السعادة الأبدية والنصر المؤزر [وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ] {المائدة:50}. [ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ] {المائدة:44} [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا] {النساء:65} !
 
إنَّ طلاب المدارس عندنا قد ألمّوا بكل مادة تقررت عليهم دراستها.  ولكن واحداً منهم لا يعرف-بحكم دراسته المفروضة عليه- كيف ينظم علاقته‌ بربِّه، ولا يبني جنسه على ضوء الدين وعلى قانون الإسلام! إنَّ المرأة-والرجل‌ قوام عليها- قد جانبت الشريعة وتعدَّت حدود الله تبغي سفوراً وعبثاً وبهرجة وفساداً في ظل قانون الغرب ودستوره. والمفروض أنها مدرسة يجب أن تصان‌ وأن تحاط بنطاق من الغيرة والشهامة الإسلامية؛ لأنَّها أم الرجال، والعنصر الهام في البيئة التي يتكون منها الانسان.
 
إنَّ الخلافات - ولا تزال تجد تربة صالحة بين المسلمين وهم الذين جاء دينهم ناهياً عن التفرق آمراً بالاتحاد والتعاون على البر والتقوى... إننا نقصي‌ الشريف ونكيل له الضربات وننكل به، بينما نحابي الملوث وندنيه... وكان الحق‌ أن يكون الجزاء من جنس العمل تخلقا بأخلاق القرآن، واقتداً بشدة النبي في‌ الحق وفي قيامه بحدود الله في أمانة ودقة ينبئ عنهما قوله صلى الله عليه وسلم: «والذي‌ نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».
 
ذلك بعض ما يُقال عن طريق النصر وسبيل الفوز الذي جعله الله للمؤمنين‌ حقاً. فهل للمسلمين أن يسيروا على بركة الله في هذا السبيل وأن يتزينوا بالطاعات‌ ويتطهَّروا من المعاصي حتى يقضوا على عوائق النصر ويردوا الحق إلى نصابه‌، والعزة إلى ديارها وأهلها؟.
 
إني لأرجو ذلك وعسى أن يكون قريباً... ولئن ضرَّنا كذلك قلنا ذلك‌ الوعد الحق العذب الذي جاء في كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه،  في قوله تعالى: [وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا] {النور:55}
 [اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ] {البقرة:257}.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
 
المصدر : مجلة كنوز الفرقان جمادى الأولى والثانية 1371 العدد 36و36.


 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين