طريق الأبطال على درب النضال

الأوطان لا تموت بالحروب، بل بخيانة الأبناء، ودائماً ما نرى أن الشعارات الوطنية تورث للفقراء، والمكاسب والثروات للأغنياء، ولذلك عندما يحكم الناس الحمقى، فمن واجب العقلاء عدم الطاعة والبحث عن الحرية التي تتضاءل أمامها كل الخطوب، وترخص لأجلها المهج والأرواح، رغم أن طريقها وعر، وأمامها يَسد المُستبد كل السبل والدروب، ويخوض ضدها كل المعارك والحروب … ولذلك كان مهرها غالياً، وثمنها يصل حد سحب الروح والجنسية أو النفي والسجن والاستبعاد والإخفاء القسري.

ومفتاح حرب المستبد على شعبه هو ترسيخ الجهل ومحاربة العلم، والتعامل بعقلية إجرامية مع كل من ينشد رفع همة ووعي الشعوب وتعليمها وتنوير دربها.

ولذلك تجد من العلماء من يتم تصفيته جسدياً، ومنهم من يتم شراؤه ماديا، والأول اختار الشهادة والأجر عند الله، والثاني اختار المادة والخنوع لأسياده، وهناك فئة ثالثة هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتخذهم البائع الغشاش نموذجاً على أنه لا يستعملهم في شأن من مهامه فيكونون لديه: "كمصحف في خمارة أو سبحة في يد زنديق".

والاستبداد والعلم ضدان لا يلتقيان، فكل إرادة مستبدة تسعى جهدها في إطفاء نور العلم، وحصر الرعية في غياهب الجهل، بينما نجد العلماء المصلحين الذين يقفون حجر عثرة في حلق الاستبداد يسعون جهدهم في تنوير أفكار الناس.

والغالب أن رجال الاستبداد يطاردون رجال العلم وينكلون بهم، وهي سمة هذا القرن، والسجون والمعتقلات شر شاهد على ذلك، وعند الله تلتقي الخصوم، قال تعالى: « وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42)مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) ».

حتى أصبح المحظوظ من العلماء من يتمكن من هجرة بلاده مكرهاً - وأعرف من قضى خمسين عاماً مهاجراً من دولة لأخرى ولم يرضى في الله لومة لائم - ولهذا فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأكثر العلماء الربانيين تقلبوا في البلاد وماتوا غرباء ولكن أحراراً أعزاءاً.

ولن تبنى الأوطان إلا بالعلم، وباب العلم تكريم أهله لا تنكليهم، ولذلك نرى الفشل على كل الأصعدة والمؤسسات في دول الاستبداد، والحاصل أنه ما انتشر نور العلم في أمة قط إلا وتكسرت فيها قيود الذل والمهانة والتخلف، وساء مصير المستبدين من قيادات سياسية أو كهنة، وبالتالي فقدوا مكانتهم التي تسلطوا بها على رقاب الناس بالباطل، بينما يستمر العلماء الربانيون الأبطال في السير على طريق النضال ويصح فيهم قول أبي الفتح البستي:

إذا أحبَبتَ أن تبقى … مصونَ الجاهِ والقَدرِ

وأن تأمنَ ما في الناس … من مكرٍ ومن غَدرِ

فلا تحرص على مالِ … ولا تطمح إلى الصدرِ

وأكثِر قولَ لا أدري … وإن كنتَ أمرأً يدري

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين