طب القلوب 2جوامع الدواء

إن تجاوز الاعتدال في كل شيء يفضي إلى الضرر بالإنسان وبعباداته وبقلبه، فالفضول من كل شيء: الفضول من الأكل والشرب، والفضول من النوم، والفضول من الكلام، والفضول من المخالطة والمجالسة، والفضول من الضحك، كل شئ زاد من هذه الأشياء؛ فإنه يؤثر على قلب صاحبه، فيفسد قلبه، الذي يأكل كثيراً؛ يقسو قلبه، والذي ينام كثيراً؛ يتبلد قلبه، وتحصل له الغفلة، والذي يضحك كثيراً؛ لا تسأل عن لهوه وغفلة قلبه، والذي ينظر كثيرا فيما يحل، وما لا يحل؛ لا تسأل عن شرود قلبه ومعاناته. وهكذا في كثرة المخالطة لأن المخالطة كما قال ابن القيم: لقاح وإنما يحتاج إليها لشحذ النفس، وتجديد العزيمة، ودفع السآمة، والتقاط أطايب الكلام، وأما الإكثار من ذلك؛ فإنه يضر ولا ينفع، فكل شيء من هذه الأشياء إذا أكثرت منه ضرك إلا العبادة، فكلما أكثرت منها؛ كلما زاد ذلك صلاحاً في القلب.

يقول الفضيل بن عياض رحمه الله:'خصلتان تقسيان القلب: كثرة الكلام وكثرة الأكل'.

وعلاج الفضول من هذه الأشياء يكون بالصوم

قال ابن القيم: لما كان صلاح القلب واستقامته على طريق سيره إلى الله تعالى ، متوقفا على جمعيته على الله ولم شعثه بإقباله بالكلية على الله تعالى ، فإن شعث القلب لا يلمه إلا الإقبال على الله تعالى ، وكان فضول الطعام والشراب وفضول مخالطة الأنام وفضول الكلام وفضول المنام مما يزيده شعثا ، ويشتته في كل واد ويقطعه عن سيره إلى الله تعالى ، أو يضعفه أو يعوقه ويوقفه اقتضت رحمة العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما يذهب فضول الطعام والشراب ويستفرغ من القلب أخلاط الشهوات المعوقة له عن سيره إلى الله تعالى ، وشرعه بقدر المصلحة بحيث ينتفع به العبد في دنياه وأخراه ولا يضره ولا يقطعه عن مصالحه العاجلة والآجلة

وشرع لهم الاعتكاف الذي مقصوده وروحه عكوف القلب على الله تعالى ، وجمعيته عليه والخلوة به والانقطاع عن الاشتغال بالخلق والاشتغال به وحده سبحانه بحيث يصير ذكره وحبه والإقبال بدلها ، ويصير الهم كله به والخطرات كلها بذكره والتفكر في تحصيل مراضيه وما يقرب منه فيصير أنسه بالله بدلا عن أنسه بالخلق فيعده بذلك لأنسه به يوم الوحشة في القبور حين لا أنيس له ولا ما يفرح به سواه .

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين