طاعة الحاكم وعدم الخروج عليه في مفهوم الفقهاء

 

 

 عندما يتحدث الفقهاء السابقون عن مسألة طاعة ولي الامر أو الحاكم ، إنما يتحدثون عن الحاكم المسلم الذي يقيم شرع الله ، ويجاهد أعداء الأمة ، ويقوم على مصالحها ، وقد يكون مع ذلك تقصير في بعض الواجبات ، أو تجاوز لبعض المحرمات ، وهذا لا يعني الرضا بفسقه ، وعدم نصيحته ، وعدم قتاله مطلقا ، إنما المراد أن تدفع المفسدة الصغرى و هي فسق الإمام و جوره ، بمفسدة كبرى و هي إراقة الدماء و إشاعة الفوضى ، و نقض النظام المؤدي إلى فتنه لا تنتهي .

   فكلام العلماء عن الصبر على فسق الإمام و جوره ليس من باب إكرامه و صون جانبه ، و إنما حماية المجتمع من الفتن و ما يرافق الخروج عليه من سفك للدماء و هتك للأعراض و تعطيل لمصالح العامة ، مع تأكيد العلماء أن فسق الإمام و جوره منكر ، و أن ذلك لا يرضي الله تعالى و لا يرضي رسوله صلى الله عليه و سلم ، و لكن المنكر لا يغير بمنكر أشد منه ، و الفساد لا يدفع بأفسد منه .

   إذ لو خرج على الإمام خارج من الأمة فإن أتباع الحاكم - الذين رباهم على تعظيمه و طاعته حتى لو فسق أو أجرم ، و ربما يدعم موقفه ذلك بفتاوى بعض المنتسبين للعلم الذين لم يحسنوا فهم الشريعة – سيواجهون الخارجين عليه ، و من ثم تراق دماء مسلمة هي أعظم من المنكر الذي خرجوا لتغييره .

   يقول إبن عبدالبر رحمه الله : " و كل إمام يقيم الجمعة و العيد ، و يجاهد العدو ، و يقيم الحدود على أهل العداء ، و ينصف الناس من مظالمهم بعضهم من بعض ، و تسكن له الدهماء ، و تأمن به السبل ، فواجب طاعته في كل ما يأمر به من الصلاح أو المباح " ( انظر التمهيد لما في المواطأ من المعاني و الأسانيد 23/279 ) .

   و العجب من بعض من ينتسب لأهل العلم ( وقد أضلهم الله على علم ) ، عندما يقيسون بعض الحكام المعاصرين ممن عطل الدين و أحكامه ، و سرق مال الأمة ،    و أفسد البلاد و العباد ، و ظلم الناس ، و انتهك الأعراض ، و حارب الفضيلة ،  و خصّ من حوله بثروة الأمة و مصالحها العليا .

   و كأن هؤلاء يعتقدون أن الحكم حق للحاكم و الأمة مستباحة له ، يتصرف كيف يشاء و يفسد كيف يشاء ، و أن الشرع حماه ، فلا يجوز أن ينكر عليه ، و لا يجوز إنتقاده ، و لا يحاكم مهما فعل من جرائم ، فكونه حاكما فله القداسة و الحصانة ، و هذا تضليل للأمة ، و شرعنة الفساد و الظلم ، مع أن الحاكم في الشريعة الإسلامية كمثل أي مسلم  مخاطب بجميع أحكام الشريعة ، فالحرام على الأمة حرام عليه ، و الحلال على الأمة حلال له ، بل الحرام عليه أشد لأنه قدوة ، و أعماله لها تأثير كبير في الأمة ، سواء في الاصلاح أو الافساد .

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين