طائفة من آداب الإسلام الاجتماعية (1)

أيها المستمع الكريم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.

فعنوان حديثي إليك اليوم: طائفة من آداب الإسلام الاجتماعية.

قال الله تعالى في سورة الأحزاب: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا﴾. هذه الآية الكريمة أصلٌ كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، وقد بيَّن الله فيها أن القدوة الحق هي بسيدنا رسول الله الذي أكرمه الله بالنبوة ورفعه الله بالرسالة، فكان خاتم النبيين وأفضل المرسلين وقدوة للناس أجمعين، وقد أدَّبَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم بآدابه الشريفة وخصاله الحنيفة في كل حركة وسكون، بحيث أن الإنسان إذا اتبع آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعماله على وجهها وفي مواضعها كان كلُّ تصرفه أو سكونه خيراً وجميلاً.

ذلك أن للإسلام الحنيف الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم آدابا وفضائل كثيرة تدخل في كل شأن من شؤون الحياة، وتنير للإنسان السبيل في حياته كيف يتصرف أو يقف، وهي تحقق للمسلم تكامل شخصيته المسلمة، كما تحقق له الانسجام بين الناس في معاشرتهم ومخاطبتهم، والإسلام دين اجتماعي بطبيعته، قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلم الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم، خيرٌ من المسلم الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم.

وإذا كان مطلوباً من المسلم أن يخالط الناس فلا ريب أن للمخالطة آداباً ينبغي التحلي بها حتى تؤدي المخالطة أثرها وثمرتها، ولا ريب أن التحلي بتلك الآداب والفضائل، مما يزيد في جمال سلوك المسلم، ويظهر محاسنه ويحبب شخصيته ويدنيه من النفوس والقلوب.

وتسمية تلك الفضائل والتوجيهات والأوامر "آداباً" من باب أنها ترفع في سلوك الإنسان ومنزلته في المجتمع، لا من باب أنها آداب اختيارية يُـخَيَّرُ الإنسانُ في فعلها وتركها، وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف ينبغي أن نكون في مظهرنا ومنازلنا وسائر تصرفاتنا حتى نكون ظاهرين بين الناس بحُسْنِ الخُلُق والمظهر جميعاً، قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحسِنوا لباسكم وأصلحوا رِحالكم حتى تكونوا كأنكم شامة في الناس. والرِحال هي البيوت في تفسير جماعة من أهل العلم، وإني سأذكر طائفة من الآداب الإسلامية الاجتماعية أوجهها إلى الأبناء ليكونوا عليها سلوكاً وزينة، ولينشأوا ويُنَشِّئوا أبناءهم عليها، كما سنَّها الإسلام لهم وأرشدهم إليها، فأقول لكل من الأبناء الأعزاء:

أولا: إذا دخلت دارك أو خرجت منها، فلا تدفع بالباب دفعاً عنيفاً، أو تدعه ينغلق لِذَاتِه بشدة وعنف، فإن هذا مُنافٍ لِلُطْفِ الإسلام الذي تتشرف بالانتساب إليه، بل أغلقه بيدك إغلاقا رقيقاً، ولعلك سمعت ما رواه مسلم عن السيدة عائشة رضي الله عنها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شانه).

ولا تكن عند دخولك لمنزلك مفاجئاً لمن فيه فيرتاع منك، أو يحسبك كالمتخوِّن له والكاشف لحاله، بل ينبغي أن تُشْعِر من في المنزل أو البيت بدخولك عليهم، قال عبد الله بن الإمام أحمد رضي الله عنه عن والده الإمام أحمد شيخ السنة النبوية: كان أبي إذا رجع من المسجد إلى البيت يضرب برجله قبل أن يدخل الدار، حتى يُسمَعَ ضربُ نعله لدخوله إلى الدار، وربما تنحنح ليُعْلِمَ من في الدار بدخوله إليهم.

هذا أدب عظيم عرفناه من هدي النبي وسيرة السلف الصالح، وإليكم أيها الأبناء أدباً آخر يتصل بالأدب السابق:

ثانياًَ: إذا دخلت بيتك أو خرجت منه فسَلِّم على من فيه من أهلك من ذكر وأنثى بتحية المسلمين وعنوانِ الإسلام، وذلك أن تقول لكل من الرجل والمرأة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ولا تعدِلْ عن هذه التحية الإسلامية إلى غيرها من: "صباح الخير" أو "مساء الخير" أو "صبَّحك الله بخير" أو "مرحباً" أو نحوها، فإن عُدولَك عن تحية الإسلام إماتة لها وإحياء لغيرها، وتحيةُ "السلام عليكم" هي شعار الإسلام وعنوان المسلمين الذي رسمه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، قال أنس رضي الله عنه، وكان غلاما يخدم النبي، قال لي رسول الله: (يا بني إذا دخلتَ على أهلك فسَلِّم؛ يَكُنْ بركةً عليك وعلى أهلك). رواه الترمذي

وقال قَتَادَة بن دِعَامة السَّدُوسي أحد أعلام التابعين الفضلاء: إذا دخلت بيتك فسَلَّم على أهلك فهم أحقُّ من سلَّمْتَ عليهم. وقال أبو هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليُسَلِّم، فإذا أراد أن يقوم فليُسلِّمْ، فليست الأولى بأحق من الآخرة). رواه الترمذي

وأكتفي بذكر هذين الأدبين في حلقة اليوم، وموعدنا غداً لذكر طائفة أخرى من آداب الإسلام إن شاء الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يتبع...

من كتاب:" أيها المستمع الكريم" إعداد ومراجعة: محمد زاهد أبو غدة

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين