ضاعفوا العقوبة على الأقوياء وخففوها عن الضعفاء

 

جاء محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً من رب العالمين فأشرقت الأرض بنور ربها... ولا نريد في هذا المقام أن نتكلم في العقيدة التي دعا إليها في وسط الوثنية وعبادة الكواكب والنيران، وثنية اليونان والرومان، والثالوث الذي كان عند الأفلاطونية الحديثة، والذي قبسته منها بعض الملل التي كانت في الأصل ديانة توحيد...

لا نتكلم في شيء من ذلك لأنه أمر معروف للعامة والخاصة من الذين عرفوا الإسلام وأدركوه، ولا نتكلم فيه لأنه ليس من موضوعنا في الظاهر إنما الموضوع مقصور على التكليفات...

إن العملية التي جاء بها القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وبيَّنته السنة النبوية، ويلاحظ أنَّ هذه التكليفات أوامر ونواه جاءت من السماء ليس لبشر أن يناقضها أو يغير فيها ويبدِّل... إنما له فقط حق استخراج معانيها من ألفاظها، وتحقيقها وتطبيقها على أقوم سبيل وأعدل طريق مستقيم من غير نقص منها، ولا مزيد عليها، ولا تصريفها عن مواضعها.

جاءت هذه الأوامر والنواهي، وقد كان القانون الروماني في أوجه، وصقلته التجارب في نحو ثلاثة عشر قرناً من وقت إنشاء روما، كان للفرس نظام، وللهند وراءها نظام الطبقات الذي يحدد الناس بأربع طبقات: طبقة البراهمة، أي علماء اللاهوت وقد خلقوا من رأس براهما إلههم... وطبقة المحاربين، وقد خلقوا من سواعد براهما... وطبقة التجار والصناع وقد خلقوا من ساق براهما... وطبقة الخدم وقد خلقوا من أقدامه، ووراء هؤلاء الأنجاس الذين لا يحسبون...

جاء التكليف الإسلامي في زمن سادت فيه النظم...

ولعل أقواها في الصياغة القانونية وأحكمها القانون الروماني الذي لا يزال المصدر الثاني أو الأول في قانون نابليون.

وإنه بالموازنة بينه وبين الشريعة الإسلامية في المبادئ الإنسانية المقررة الآن في داخل الدول الأوربية والأمريكية، نجد المفارقة واضحة والموازنة بينهما كالموازنة بين نظام همجي يتحكم فيه الإنسان في أخيه الإنسان من غير أن تكون للضعيف حقوق أمام القوي، ونظام يقرر الحقوق والواجبات من غير تفرقة بين قوي وضعيف، ولا شريف وغير شريف، ولا لون ولون، فالشريعة تقر ذلك والقانون الروماني لا يعرفه، فالمرأة تعامل كالرقيق فهي أمَة في بيت أبيها، وأمَة في بيت زوجها، وإذا قتلها لا يُسأل لم قتلها، لأن الزواج في هذا القانون عقد رق، والابن لا يملك أن يتصرف في ماله أو أن يتصرف ما دام أبوه حياً ولو بلغ الستين، إلا أن يأذن له أبوه، فالولاية عن النفس عند الرومان، وفي قانونهم الذي يقدمه الفرنسيون إلى اليوم رق، وليس سداً لنقص يزول بزواله، أو معاونة العاجز يزول بزوال عجزه.

وقد تعددت أسباب الرق في القانون الروماني، حتى إن الرجل إذا خرج من أرضه كان عرضة لأن يسترقه من يكون من قوم آخرين، ولقد جرى الرق على شيخ من شيوخ الفلاسفة وهو أفلاطون، فقد استرق عند انفراده خارج قومه، حتى استعاد حريته بالفداء.

كل هذا وأضعافه في الأشياء والنظام في قانون الرومان، أما الإسلام فقد ألغى كل أسباب الرق ولم يبق إلا سبباً واحداً، وهو الحرب العادلة إذا كان الأعداء يسترقون فيكون شيء من قبيل المعاملة بالمثل، لقوله تعالى: [فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ] {البقرة:194}.

ولنزن القانون الروماني، وقانون فارس، وطبقات الهنود، لنزن هذا ولننظر إلى الشريعة وروحها فإن الأفضل لا يستمد من المقابلات والموازنات إنما يستمد من ذاتها.

إن الفضل للشرائع ذاتي وليس بإضافي حتى نوازن بينه وبين غيره من النظم.

مقاصد الشريعة الإسلامية:

أول مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية التي هي روحها ومغزاها هو: الكرامة الإنسانية، و قد بدأ تكريمها للإنسان في عقيدتها، وفي تكوينه، وفيما له من حقوق، وما عليه من واجبات فالعقيدة الإسلامية تقوم على التوحيد، أي وحدانية الله تعالى في ذاته وفي صفاته وفي عبادته والاعتماد عليه وحده والاستغناء عمن سواه كبيراً أو صغيراً، شريفاً أو ضعيفاً، وأنه لا فضل لمخلوق عليه، وإنما الفضل لله وحده، فلا عزة إلا منه، ولا تكريم إلا منه، ولا فقر إلا إليه، [يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ] {فاطر:15}.

فالعقيدة تربي العزة، ولو كان المؤمن عبداً حبشياً.

والتكوين الإنساني فيه بيان أنه أكرم خلق الله عند الله تعالى: ألم تر أن الله تعالى أمر الملائكة أن يسجدوا لآدم لمقام الإدراك، والعلم بالأشياء، [وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيمُ الحَكِيمُ(32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الكَافِرِينَ(34)]. {البقرة}..

ولقد صرح الله سبحانه وتعالى بتكريم الإنسان فقال تعالى:[وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا] {الإسراء:70}.

وإن الإنسان يكرم لأنه إنسان، فلا فرق بين أبيض وأسود وأحمر في الكرامة الإنسانية، واختلاف الألوان من آيات الله سبحانه وتعالى في خلقه، ولذا قال تعالى:[وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ] {الرُّوم:22}.

والكرامة يستحقها لا فرق بين غني ولا فقير ولا أمة غنية بمواردها وصناعاتها وموقعها الجغرافي، وأخرى ليست فيها هذه المزايا، ولا بين أمة فيها علماء، وأخرى ليس فيها علم، وعلى العلماء أن يعلموا الجهلاء من غير أن يستعلوا عليهم، ولقد روي أن علياً ابن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه قال: لا يسأل الجهلاء لمَ لمْ يتعلموا حتى يسأل العلماء لمَ لم يعلِّموا.

ولأن الكرامة حق فطري للإنسان، سوَّى في استحقاقها أهل الأديان المختلفة لا فرق بين مسلم وكافر، ولقد روى البخاري أنه مرت جنازة يهودي فوقف لها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنها جنازة يهودي، فقال الرسول الحر صلى الله عليه وسلم: (أليست نفساً).

العدالة في الإسلام:

إن العدالة سمة الإسلام وشعاره والشريعة الإسلامية ميزتها العدالة، قد جاءت بها وقررتها مع العدو والولي على السواء، ويقول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ] {المائدة:8}. أي: لا يحملنكم البغض الشديد لقوم على ألا تعدلوا، فالعدل أقرب للتقوى.

وإذا كان قد روي عن المسيح صلى الله عليه وسلم أنه قال: (استغفروا لأعدائكم) فالإسلام يقول: (اعدلوا مع أعدائكم) وإن ذلك هو الممكن، والإسلام لا يستنفر الأعداء إلا إذا اعتقدوا الحق، وتركوا الباطل، ولقد روي أن أكثم بن صيفي حكيم بني تميم لما بلغته دعوة الإسلام أرسل بنيه ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عما يدعو إليه، فقرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم:[إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ] {النحل:90}.

ولما بلغوا أباهم رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وتلوا عليه الآية الكريمة قال حكيم بني تميم أنه إن لم يكن ديناً كان في الأخلاق أمراً حسناً، كونوا يا بني في هذا الأمر أولاً ولا تكونوا آخراً...

هذه هي روح الشريعة ومغزاها، العدالة التي لا تفرق بين عبد وولي، ولا أبيض وأسود، ولا عربي وأعجمي، وقد طبقت في عهد الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وعهد الراشدين تطبيقاً دقيقاً، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الخلق أجمعين، ليطلب أن يقتض منه، وهو الطاهر المطهَّر.

وإن من أبرز صور العدالة فيها، العدالة بين الحاكم والمحكوم، فالحاكم فرد من الأفراد ويؤخذ منه إذا ظلم، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقتص من الوالي إذا ظلم واحداً من الرعية، وينبه عماله إلى ذلك في أوامر صارمة قاطعة. لقد جمع ولاته في موسم الحج، و قال لهم: وما أرسلتكم لتضربوا أبشار النار، ولكن أرسلتكم لتعلموهم أمر دينهم، والله لا أُوتى بعامل ضرب الناس في غير حد، إلا اقتصصت له منه.

ولقد قال عمرو بن العاص رضي الله عنه لرجل من المؤمنين: يا منافق، فقال: ما نافقت مذ أسلمت، وشد رحاله إلى عمر، وقال لأمير المؤمنين: (لقد نفقني الأمير وما نافقت مذ أسلمت فأرسل الفاروق إلى عمرو بن العاص: يقول فلان أنك نافقته وما نافق مذ أسلم، فإذا وصلك فمكنه من أن يضربك، فعاد الرجل إلى الملأ الذي سمعه ينفقه، فسألهم أرأوا الأمير ينفقه، فقالوا: كلنا نسمعه، فتلا كتاب أمير المؤمنين على عمرو فقال: أتضرب الأمير؟ فقال الرجل: ليس هنا لأمير المؤمنين أمر، فطأطأ عمرو للرجل رأسه ليضربه، فهز الرجل السوط، وقال: الآن عفوت.

وإنه من المقرر في الفقه حقيقتان يجب ذكرهما لمعرفة مدى العدالة الإسلامية، ومدى المساواة العادلة.

الحقيقة الأولى: أنه إذا ارتكب الإمام الأعظم ما يوجب حداً، وجبت إقامته عليه، ولم يخالف في ذلك أحد إلا أبو حنيفة وحده. والقاضي يقيم حق الله عليه وإلا كان آثماً، لأن القاضي نائب عن المسلمين وليس بنائب عنه، وكونه مُولّى من قبله لا يجعله نائباً عنه؛ إذ إن التولية لدى الأهلية تمكين من القيام بالواجب، وليست أي نيابة له بدليل أنه لا يعزل بموته.

وإذا ارتكب الوالي المولَّى من قبل الإمام الأعظم ما يوجب حداً فإنه بالإجماع يقام عليه الحد.

والحقيقة الثانية: أنه قرر الفقهاء بالإجماع أنه إذا ارتكب الإمام الأعظم أو عماله ما يوجب قصاصاً وجب القصاص منه، وعلى عامة المؤمنين أن يعاونوا المجنيَّ عليه من القصاص في غير هوادة، لأنهم أولياء دمه يشاركون ولي الدم في الولاية إذا عجز عن الأخذ بحقه، وذلك لما جاء في قوله تعالى:[ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا] {الإسراء:33}. 

فقرر الفقهاء بالإجماع أنه في حال اعتداء ولي الأمر اعتداء يوجب القصاص قرروا أن لولي الدم المطالبة، وقد فرضوا أنه قد يعجز عن القصاص لنفسه، فأوجبوا على المسلمين المطالبة بذلك حتى يحملوا القائم على الأمر أن ينزل إلى القصاص منه، وفي ذلك تطبيق دقيق لقوله صلى الله عليه وسلم: (لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، ولتأخذن على يدي الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليضربنَّ الله قلوب بعضكم ببعض، ثم تدعون فلا يستجاب لكم).

العدل مع الضعفاء:

وهنا نجد الشريعة التي نزلت بالقرآن حامية الضعيف بأمرين:

أولهما: أن القاضي الإسلامي قد رسم عادلَ الإنسانية بعد النبيين، وعمر بن الخطاب في كتاب القضاء الذي بعثه إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: (سوِّ بين الخصمين في مجلسك وكلامك وإقبالك وإشارتك، حتى لا ييأس ضعيف من عدلك، ولا يطمع قوي في ضعفك).

ولا تنسى الإنسانية أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ابن عم محمد صلى الله عليه وسلم وزوج ابنته سيدة نساء المؤمنين تخاصم مع يهودي أمام عمر الفاروق، فسمع أمير المؤمنين كلام اليهودي، ثم التفت إلى علي وقال: وما قولك يا أبا حسن؟ فقال: تركتُ الخصومة، فقال عمر: لأني سويتك باليهودي؟

قال إمام المجاهدين: لا، بل لأنك لم تسوِ بيننا، لقد كنَّيتني، ولم تكنه، والنداء بالكنية تكرم...

فكان المجاهد الأول بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يرى أنه كرَّمه، ولم يكرم خصمه فلم يُسوِّ بين الخصمين في كلامه.

ولقد نص الفقهاء في آداب القضاة على أنه يجب التسوية عند المقاضاة بين الخصمين في الأمور الأربعة التي رويت عن الفاروق، حتى إنه يروى أن الرشيد قد تخاصم أمام الإمام أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة مع يهودي، فأجلس الرشيد ولم يجلس اليهودي، فاعتقد أنها ليست عادلة أمام الله تعالى، فكان يستغفر عن ذلك، ويعتذر بأن الذي دفعه هو مقام الخلافة.

ونحن نقول: إنه ليس بعذر، فما كان الرشيد بخير من علي، ولا بخير من عمر، إنما هو الباب الذي فُتح ولم يغلق إلى اليوم، حتى صار أمر المسلمين بدداً، وفسدت الأمة .

– ثاني الأمرين – الذي حمت به الشريعة الضعفاء أنها جعلت عقوبة الضعيف على النصف من عقوبة القوي، وكان الضعفاء في العصر الأول هم الرقيق، والأقوياء هم الأحرار، وقد جعل القانون الكريم عقوبة الإماء على النصف من عقوبة الحرائر، وقد قال الله سبحانه وتعالى في الإماء:[ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ] {النساء:25}. أي أن حدَّ الزنا مائة جلدة، فيكون على الحرة مائة وعلى الأمة خمسين، وكذلك العبد، وكذلك كل الحدود المقدرة، فمن شرب الخمرة: ثمانون جلدة على الحر، وعلى العبد يكون أربعين وهكذا...

وذلك لأن الجريمة والعقوبة تسيران سيراً طردياً مع الكبر والضعف في الشريعة، فالجريمة تكبر بكبر المجرم، وتضعف بضعفه، والعقوبة تتبعها، فتكبر بكبره، و تضعف بضعفه، وذلك لأن الجريمة مهانة إنسانية، والمهانة من المهين اجتماعيا،ً وفي نظر الناس قريبة فتهون بهوانه، وهي من الكبير اجتماعياً كبيرة، فتكبر تبعاً لمقامه. هذا نظر عادل رفيق بالضعفاء.

ولنضرب لذلك مثلاً للمفارقة بين حكم الله تعالى وحكم الرومان وأتباعهم، وقد رأيت أن الشريعة الإسلامية بنص القرآن ومضمونه تجعل عقوبة العبد في الزنا وغيره على النصف من عقوبة الحر.

أما القانون الروماني، فإنه يقول كما جاء في مدونة جستنيان أن العبد إذا زنى بحرة قتل، أما إذا زنى عضو الشيوخ، فإنه يغرم غرامة بسيطة ( مدونة جستنيان ترجمة المرحوم عبد العزيز فهمي).

وقد سكت القانون عن الحرة المزنيِّ بها: ما حكمها، لم يعتبرها مجرمة وربما كانت هي التي همَّت به وأغرته ودفعته، ولا حول ولا قوة إلا بالله من ظلم الإنسان للإنسان.

للبحث بقية.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 

المصدر مجلة الهلال، العدد 10، أكتوبر 1973

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين