صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفًا وتشبيهًا

صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفًا وتشبيهًا

 

عبد الحكيم الأنيس

 من مظاهر علاقة الأمة بالنبي صلى الله عليه وسلم: حفاظُهم على نقل صورته الـخَلْقية، وتقريب المسلمين منها، وعنايتهم بتسمية مَنْ كان يشْبهه.

والهدفُ من هذا أن يَرى الناس قبسًا من أنواره، وألقًا من تذكاره.

وقد امتلأت كتب السُّنة والشمائل بوصف صورته، ويكفي أنْ أشير هنا إلى ما كتبه الإمام الحافظ المتقن أبو الحجاج المزي (ت:742) في صدر كتابه الحافل "تهذيب الكمال في أسماء الرجال" وقد صدّره بسيرة رائعة نافعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم على طريق الاختصار قال: "إذ الكتاب لم يوضع لذلك، لكن أحببنا أن لا نخلي الكتاب من ذلك، طلبًا لبركته، وتشرفًا بذكره صلى الله عليه وسلم".

وقد أورد أحاديثَ صفتِه وفسّر ما فيها من الألفاظ الغريبة فأحيل عليه، وأدعو لإفراد هذه السيرة وتعميم دراستها، ولا سيما في المدارس والمعاهد الإسلامية.

***

وأما عنايتهم بتسمية مَن كان يشبهه فهو مما انفردتْ به هذه الأمة، وقد أحصيتُ مَنْ نصُّوا على أنه يشبهه: تسعة وعشرين شخصًا، من بني هاشم وغيرهم، في حياته وبعد انتقاله صلى الله عليه وسلم، وظلوا يتناقلون هذا جيلًا بعد جيل قرونًا متطاولة، وآخر ما وقفتُ عليه نصٌّ في القرن التاسع الهجري.

وممن ذُكر من بني هاشم: يحيى بن القاسم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي، وكان يقال له: "الشبيه" لأجل ذلك.

ومنهم: عبد الله بن عوانة، شريف مغربي، قدم الديار المصرية زمن السلطان الأشرف قايتباي، قال الإمام الصالحي في "سبل الهدى والرشاد":

"أخبرني غير واحد من الأشياخ الذين كانت لهم معرفة بصفات النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا المغربي كانت صفته تقرب من صفة النبي صلى الله عليه وسلم".

ومن المشبهين غير بني هاشم: عبد الله بن أبي طلحة الخولاني، ذكره ابن يونس في "تاريخ مصر"، وذكر أنه شهد فتح مصر، وأمره عمر بأن لا يمشي إلا مقنعًا لأنه كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنهم: أبو عبد الله محمد بن أحمد المقدسي العثماني المشهور بالـديباج - من ذرية عثمان بن عفان-، قـال العليمي في "الأنس الجليل":

"سُمِّي الديباجي لحسنه، ولأن ديباجة وجهه كانت تشبه ديباجة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أصله من مكة، وأقام ببيت المقدس، وكتب الأحاديث بها وسمعها، وسكن بغداد بدرب السلسلة. وهو فقيه فاضل حسن السيرة قوال بالحق، كان يقال له: سميُّ النبي صلى الله عليه وسلم وشبيهُه. توفي يوم الأحد سابع عشر من صفر سنة تسع وعشرين وخمس مئة ودفن بالوردية".

وهذا من رحمة الله وإكرامه للأمة، ليتأتى للناس تخيل صورة النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم في هذه الدار قبل يوم القيامة.

وفي كتب التراجم والأنساب، تفصيل هذا الباب.

ويُنظر في هـذا:

-الوافي بالوفيات للصفدي (1: 89)،

-فتح البـاري لابن حجر (7: 97-98) في شرح كتاب فضائل الصحابـة، بـاب منـاقب الحسن والحسين رضي الله عنهما.

-استجـلاب ارتـقـاء الـغُـرف بحبِّ أقربـاء الـرسول وذوي الشرف للسخاوي (2: 547-559)

-سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد للإمام محمد بن يوسف الصالحي (2: 115-119) من طبعة بيروت، و(2: 155) من طبعة مصر.

-ولابن طولون الحنفي الدمشقي (ت: 953 هـ): "كشف اللثام عن وجه المشبَّهين بخير الأنام"، ذكره لنفسه في "الفلك المشجون" ص 128، وهو مطبوع.

وهذا كله من قِبَلِ سلطانِ الغيبِ في تصريفِ الأسبابِ المحيطة به صلى الله عليه وسلم.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين