صلاة التسبيح

قال عند حديث ابن عباس الذي ذكره ابن الوزير في العواصم والقواصم ج9، ص141-145 ما نصه:

أخرجه أبو داود (١٢٩٧)، وابن ماجه (١٣٨٧)، وابن خزيمة (١٢١٦)، والطبراني (١١٦٢٢)، والحاكم ١/ ٣١٨، والبيهقي ٣/ ٥١ - ٥٢، والدارقطني في مصنفه في صلاة التسابيح فيما نقله ابن ناصر الدين ص ٨ من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم النيسابوري، حدثنا موسى بن عبد العزيز القنباري، حدثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس.

وعبد الرحمن بن بشر بن الحكم: ثقة من رجال الشيخين.

وموسى بن عبد العزيز القنباري: روى عنه جمع، وقال ابن معين: لا بأس به، وقال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في " الثقات " وقال: ربما أخطأ، ووثقه ابن شاهين، وقول ابن المديني فيه: ضعيف، مردود، لأنه جرح مبهم غير مفسر، وهو في مقابل تعديل ابن معين والنسائي، وهما من هما في التشدد في التوثيق، روى له البخاري في " جزء القراءة "، وأبو داود، والنسائي.

والحكم بن أبان: هو العدني، وثقه ابن معين والنسائي، وقال أبو زرعة: صالح، وذكره ابن خلفون في " الثقات " وقال: وثقه ابن نمير، وأبو جعفر السبتي، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، روى له البخاري في " القراءة خلف الإمام " وفي " الأدب المفرد " وأصحاب السنن.

وعكرمة مولى ابن عباس: ثقة ثبت، عالم بالتفسير، احتج به البخاري، وروى له مسلم مقرونا.

وهذا إسناد أقل ما يقال فيه: إنه حسن لذاته. قال ابن ناصر الدين في " الترجيح " ص ٣٩ - ٤٠: حديث عكرمة هذا صححه أبو داود، وأبو بكر محمد بن الحسين الآجري وغيرهما، وقال أبو بكر بن أبي داود: سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا.

وأخرجه أبو يعلى الخليلي في " الإرشاد " عن أحمد بن محمد بن عمر الزاهد، عن أبي حامد أحمد بن محمد بن الشرقي، عن عبد الرحمن بن بشر، به. وقال بإثره: قال أبو حامد بن الشرقي: سمعت مسلم بن الحجاج -وكتب هذا عن عبد الرحمن- يقول: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا. وانظر " سنن البيهقي " ٣/ ٥١.

وقال الحافظ المنذري في " الترغيب والترهيب " ١/ ٤٦٨: وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة، وعن جماعة من الصحابة، وأمثلها حديث عكرمة، وقد صححه جماعة، منهم الحافظ أبو بكر الآجري، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى.

وقال الترمذي: وقد رأى ابن المبارك وغير واحد من أهل العلم صلاة التسبيح، وذكروا الفضل فيه.

وقال البيهقي في " سننه " ٣/ ٥٢: وكان عبد الله بن المبارك يفعلها، وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع.

وقال الحاكم ١/ ٣١٩: وممَّا يستدل به على صحة هذا الحديث استعمال الأئمة من أتباع التابعين إلى عصرنا هذا، ومواظبتهم عليه وتعليمهم للناس، منهم عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى، ثم قال: ولا يتهم عبد الله أن لا يعلمه ما لم يصح عنده سنده.

قلت: وقد حسن حديث صلاة التسبيح المنذري، وابن الصلاح، وتقي الدين السبكي، وولده تاج الدين، وابن حجر في " الخصال المكفرة "، و" أمالي الأذكار ".

وقد اضطرب فيه الإمام النووي، فحسنه في " الأذكار "، وفي " تهذيب الأسماء واللغات "، وقال في " المجموع ": حديثها لا يثبت.

وصححه أبو داود، وابن منده، والحاكم، وأبو بكر الآجري، وأبو بكر بن أبي داود، وأبو موسى المديني، والخطيب البغدادي، وأبو الحسن بن المفضل، وعبد الرحيم المصري، والبلقيني، والحافظ العلائي، والبدر الزركشي، وابن ناصر الدين الدمشقي، والسيوطي.

وضعفه الترمذي، والعقيلي، وأبو بكر بن العربي، والذهبي في ترجمة موسى بن عبد العزيز من " الميزان "، ويغلب على ظني أن تضعيف الترمذي والعقيلي يتجه إلى الطرق التي وقفا عليها، ولو وقفا على بقية الطرق لتدل رأيهم.

وأما أبو بكر بن العربي، فقوله في هذا الباب لا يقاوم قول جهابذة هذا الفن الذين هم القدوة فيه، فإنه رحمه الله كان يغلب عليه الفقه، وهو به أقعد.

وقول الذهبي يدفع بأن موسى بن عبد العزيز لم ينفرد به، بل رواه جمع من الرواة غيره.

وأما ابن الجوزي فقد أساء بذكره إياه في الموضوعات ظنا أن موسى بن عبد العزيز مجهول، وكم له من أمثال هذا الخطأ في كتابه الموضوعات كما نبه على ذلك غير واحد من أهل العلم. وموسى بن عبد العزيز كما تقدم روى عنه جماعة، ووثقه ابن حبان، وابن شاهين، وقال ابن معين والنسائي: لا بأس به، فكيف يكون مجهولا؟!

والذي أقول به: إن حديث ابن عباس حسن لذاته صحيح لغيره كما تقتضيه الصناعة الحديثية، ودراسة الطرق التي انتهت إلينا، واتباعا لمن قواه من أئمة الحديث المشهود لهم بالعلم والبراعة والاعتدال. وفي الباب شواهد، سيرد بعضها في التعليقات الآتية. وانظر " الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة " للكنوي ص ١٢٣ - ١٤٣، فقد أجاد وأفاد، وأتى بما يفي بالمراد.

ثم قال شيخنا الشيخ شعيب عند حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الذي ذكره ابن الوزير ص145:

أخرجه أبو داود (١٢٩٨) عن محمد بن سفيان الأبلي، حدثنا حبان بن هلال أبو حبيب، حدثنا مهدي بن ميمون، حدثنا عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، قال: حدثني رجل كانت له صحبة يرون أنه عبد الله بن عمرو قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - ... وعمرو بن مالك: هو النكري، صدوق له أوهام.

ورواه مسلم بن إبراهيم، عن المستمر بن ريان، عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو. وهذه الطريق نالت إعجاب الإمام أحمد، قال أبو بكر الخلال في " العلل ": قال علي بن سعيد: سألت أحمد بن حنبل، عن صلاة التسبيح، قال: ما يصح عندي فيها شيء، فقلت: حديث عبد الله بن عمرو، قال: كل من يرويه عن عمرو بن مالك -يعني وفيه مقال- فقلت: وقد رواه المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء، قال: من حدثك؟ قلت: مسلم -يعني ابن إبراهيم- فقال: المستمر شيخ ثقة، وكأنه أعجبه.

قال الحافظ ابن حجر في " أجوبة المشكاة " ٣/ ١٧٧٩ - ١٧٨٠: نقل الشيخ الموفق بن قدامة، عن أبي بكر بن الأثرم، قال: سألت أحمد عن صلاة التسبيح فقال: لا يعجبني، ليس فيها شيء صحيح، ونفض يده كالمنكر.

قال الموفق: لم يثبت أحمد الحديث فيها، ولم يرها مستحبة، فإن فعلها إنسان فلا بأس.

قال الحافظ: وقد جاء عن أحمد أنه رجع عن ذلك، فقال علي بن سعيد النسائي: سألت أحمد عن صلاة التسبيح؟ فقال: لا يصح فيها عندي شيء.

قلت: المستمر بن الريان عن أبي الجوزاء، عن عبد الله بن عمرو؟ فقال: من حدثك؟ قلت: مسلم بن إبراهيم، قال: المستمر ثقة، وكأنه أعجبه.

قال الحافظ: فهذا النقل عن أحمد يقتضي أنه رجع إلى استحبابها، وأما ما نقله عن غيره، فهو معارض بمن قوى الخبر فيها، وعمل بها.

تحقيق علامة الديار الشامية في علم الحديث المحدث الكبير شعيب بن محرم الأرنؤوط

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين