صفة عيشه صلى الله عليه وسلم وعيش أهل بيته

إنّ قِلّةَ ذاتِ اليدِ هُو الحال الغالب على حياة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم، وحياة أزواجه مَعَهُ، وإذا كان شيءٌ من مطعم الدنيا أو مشربها فهو حظّ المقلّ، الذي لا تَصبرُ عليه أكثر النساء، ولا يطيبُ به عَيشُها..

وَإليكَ هَذه الأحَادِيث والآثار التي تُعْطِيكَ صورَةً عن حياة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وحياة أزواجه مَعَهُ، وَكَيف صبرن رضي الله عنهنّ عَلَى شظف العيش، والتقلّل من الدنيا:

عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَلِبِلالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاّ شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلالٍ) [رواه الترمذيّ في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله برقم/2396/، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ].

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: " لَقَدْ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِي رَفِّي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ " [رواه البخاريّ في كتاب الرقاق، باب فضل الفقر برقم /6086/ ومسلم في كتاب الزهد والرقائق برقم/5281/].

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقُولُ: " خَرَجْتُ فِي يَوْمٍ شَاتٍ مِنْ بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ أَخَذْتُ إِهَاباً مَعْطُوباً، فَحَوَّلْتُ وَسَطَهُ، فَأَدْخَلْتُهُ عُنُقِي، وَشَدَدْتُ وَسَطِي فَحَزَمْتُهُ بِخُوصِ النَّخْلِ، وَإِنِّي لَشَدِيدُ الجُوعِ، وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامٌ لَطَعِمْتُ مِنْهُ، فَخَرَجْتُ أَلْتَمِسُ شَيْئاً، فَمَرَرْتُ بِيَهُودِيٍّ فِي مَالٍ لَهُ، وَهُوَ يَسْقِي بِبَكَرَةٍ لَهُ، فَاطَّلَعْتُ عَلَيْهِ مِنْ ثُلْمَةٍ فِي الحَائِطِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا أَعْرَابِيُّ؟! هَلْ لَكَ فِي كُلِّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَافْتَحْ الْبَابَ حَتَّى أَدْخُلَ، فَفَتَحَ فَدَخَلْتُ فَأَعْطَانِي دَلْوَهُ، فَكُلَّمَا نَزَعْتُ دَلْواً أَعْطَانِي تَمْرَةً، حَتَّى إِذَا امْتَلأَتْ كَفِّي أَرْسَلْتُ دَلْوَهُ، وَقُلْتُ: حَسْبِي فَأَكَلْتُهَا، ثُمَّ جَرَعْتُ مِنْ المَاءِ، فَشَرِبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ المَسْجِدَ، فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ " [رواه الترمذيّ في كتاب صفة القيامة والرقائق والورع عن رسول الله برقم/2397/، وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ].

وعن أنس بن مالك عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: « شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، ورفعنا عن بطوننا حجراً حجراً، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه حجرين » [تهذيب الآثار للطبري 5/495/].

وعن أبي نصر قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: إنّي لجالسةٌ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أهدى له أبو بكر رجل شاة فإني لأقطعها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلمة البيت، فقال لها قائل: يا أمّ المؤمنين: أما كان لكم سراج؟ فقالت: « لو كان لنا ما نسرج به أكلناه ».

وعن مسروق قال: بكت عائشة رضي الله عنها وبيني وبينها حجاب، فقلت: يا أم المؤمنين، ما يبكيك؟ قالت: « يا بنيّ، ما ملأتُ بطني من الطعامِ فشئتُ أن أبكيَ إلاّ بكيتُ، أذكُرُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما كانَ فيه مِن الجَهد، ما جمعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم طعامَ بُرّ في يومٍ مَرّتين حتّى لحِقَ بربّه »

وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ قَالَ: (هَلْ عِنْدَكُمْ طَعَامٌ فَإِذَا قُلْنَا: لا قَالَ: (إِنِّي صَائِمٌ) [رواه أبو داود في كتاب الصوم برقم /2099/].

فهل يستطيع أحد من البشر أن يتقلّل من الدنيا أكثر من ذلك؟

ولم يكن في بيوت أزواج النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم خادم يَكفيهم مئونة العمل والخدمة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعينُ أهلَه ويخدمهم، ولا تمنعه أعباء الدعوة الجسيمة ومسئوليّاتها من ذلك.

عَنْ الأَسْوَدِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ: مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: " كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ، تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ، فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاةِ " [رواه البخاريّ في كتاب الأذان، باب من كان في حاجة أهله، فأقيمت الصلاة فخرج برقم /644/].

وعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها: " مَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: كَمَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ، يَخْصِفُ نَعْلَهُ، وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ " [رواه أحمد برقم /23606/].

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين