صديق الفكرة

 

لطالما تأملت في الصداقة ومعانيها، وغايتها والسبيل إليها، فهذا أمر يفعله الجميع، أو ربَّما على الأقل يحاولون أن يكتشفوا ويعرفوا صفات الصديق الحقيقي من غيره.

 

ولطالما نُسجت وكُتبت الأشعار والقصائد عن الصداقة، وذكرت العديد من القصص التي تعلم أسمى معانيها وصفاتها كي تكون مثالا يحتذى به.                          

 

ولكن رغم كلّ هذه الجهود التي بذلت في سبيل التعريف عن الصديق الجيد، هناك قصة صديقين نعرفها جميعا ربَّما.. ولكن أكثرنا لا يدري أنَّ هذه القصة تعلمنا كيفية اختيار الصديق، وأي صديق سيكون سَندَك وعونك في طريقك لوصولك إلى هدفك ولتحقيق السعادة في الدارين في الوقت نفسه…

 

ألا وهي قصة الرسول محمد مع صاحبه أبي بكر، فالصحبة التي كانت بينهما فريدة من نوعها، صحبة مليئة بالتضحية والمساندة والدعم المعنوي، كل طرف للآخر..

 

تتجسد معاني هذه القصة في الكثير من المواقف.

 

تعلمنا أنَّ الصداقة وقوفك مع صاحبك وتصدقه لو خالفكما الجميع، إن كنت تؤمن بأنَّ ما يقوله صحيح، كما فعل أبو بكر، حيث كان أول المؤمنين بدعوة الرسول.

 

تعلمنا أنَّ الصداقة هي أن تقف في وقت الشدة مع صديقك وتطمئن قلبه كما فعل الرسول مع صاحبه في الغار، إذ قال تعالى على لسانه: (فما ظنك باثنين الله ثالثهما)..

 

فقابله صاحبه بالدعم المعنوي في موقف آخر في بدر.. قائلاً له مخففاً عنه: (يا رسول الله بعّض مناشدتك ربك فإنَّه منجز لك ما وعدك)..

 

تعلمنا قصة صداقتهم بأن تدفع الأذى عن صاحبك، قولاً وعملاً كما فعل أبو بكر حين آذى المشركون الرسول وهو قائم يصلي قائلا: (ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله) فكفوا الأذى عن الرسول..

 

تعلمنا من صداقتهم بأنَّك مهما كنت مقرَّبا من صديقك، فإنَّ الموت سيحيل بينكما يوما ما.. ولذلك عليك أن تتمسك بهدفكما معا.. كما فعل أبو بكر بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، رغم كلّ الألم الذي كان يجتاحه على فراق صاحبه، إلا أنَّه كان الشخص الوحيد المتماسك الذي أعاد الناس لرشدهم بعد الصدمة التي أصابتهم، قائلا جملته الشهيرة: (أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإنَّ محمدًا قد مات ومن كان يعبد الله فإنَّ الله حيّ لا يموت)..

 

رغم حبه الكبير للرسول إلا أنَّه كان يؤمن أنَّه إن لم يتماسك هو فلن يتماسك غيره، وستضيع الجهود والهدف الذين جاهدا من أجلهما معا، لأنَّه ليس أي صديق.. بل صديق الفكرة..

 

صديق الفكرة الذي، وإن فارق الزمن بينهما، سيكمل الطريق من بعده..

 

لَكم نحن بحاجة إلى هذا النوع من الصداقات التي ترتقي بنا وتأخذ بيدنا نحو سبيل تحقيق أهدافنا.. لنحن أشد حاجة بأن يكون بجانب كلّ منَّا صديق فكرة، يساندنا ويقف بجانبنا في أوقات الشدة، يمسك بيدنا ويقول: لا تحزن إنَّ الله معنا…

 

ويكون هو أول شخص يمرُّ بخاطرنا كلما قرأنا آية: ((سنشد عضدك بأخيك))..

المصدر: موقع حبر

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين