صديقي المسيحي القصة الكاملة

في طريقي من الجيزةِ إلى مكانٍ بعيد، تقريبًا المرج أو حدائق القبّة، كنتُ بجانبِ سائق التاكسي "أوبر"، تبادلنا أطرافَ الحديث، ثم اتضح لي أنه مسيحي.. سألته لحظتها عن مكتبةٍ متخصصةٍ في الكتبِ المسيحية، لأني أريد اقتناء بعض المراجع المهمة، لا سيما الكتاب المقدَّس!

ابتداءً، تنكّر الرجل من معرفةِ أي شيء، تفهمت الأمر، فأبنتُ له أني من اليمن، ولا علاقة لي إلا بالبحث الذي أنا مشتغلٌ به، اطمئنَ قليلًا، وقال لي: سأذهبُ بك إلى إحدى أهمّ المكتباتِ المتخصصة.

قبلَ أن أصلَ إلى المكانِ الذي أريدُ الذهاب إليه، توقفَ جانبًا في مكانٍ ما، ونزلنا سويًا إلى مكتبة - إن لم تخني الذاكرة - اسمها مكتبة الكتاب المقدّس، كانت مكتبة أنيقة، رحبوا بي، وسألتهم عن بعضِ الكتب، فوجدتُ هناك ما كنتُ أريد.

عندما كنتُ أبحث في الأرففِ عن بعضِ الكتب، وجدتُ القرآن الكريم في أحدِ الأرفف، تعجبتُ ابتداءً، ولفرطِ الفضول، سألتُ القائمَ على المكتبة عن المصحف وأنا ابتسم، قال لي: لا أترك القراءةَ فيه كل يوم! لأني أقوّم لساني، وأهتم بلغتي، فهو كنزٌ لغويّ ضخم، وأيضًا أحاول أن أربط بعض الخيوط بين كتابنا والقرآن. ناهيكَ عن الحِكم والأخلاق المبثوثة فيه.

خرجتُ من المكتبة، ووصلتُ إلى مكاني، وشكرتُ السائق، ثم مضتِ الأيام، وشاءت الأقدار أن ألتقي بالقائمِ على المكتبة في معرِض الكتاب بمدينةِ نصر، ناداني، فسلمتُ عليه، ودخلت إلى المكان الذي يعرضون فيه كتبهم.. وأهداني بعضًا منها، بجانب فيلم حول آلامِ المسيح!

كان الرجل ثقافته الإسلامية عالية، ولديه اهتمامٌ لافت بالنظر في النّسق القرآني، وله معرفة بنظريةِ النّظم، وأمور أخرىٰ لا تدل إلا على إنسان متبحر في أعماق النّص القرآني. تبادلنا الهواتف يومها.. وقبل أن أغادر القاهرة دار بيننا حديث طويل، ثم قال لي: لا تنسانا من دعائك.

عندما كنتُ في اليمن.. وصلتني رسالة منه عبر هاتفي، قال لي: لقد غلبني القرآن، أسلمت، لكن لا أحد يعلم، لا أستطيع أن أبوح بهذا الأمر الآن.. شكرًا لك.

ثم انقطعت الأخبار بيننا.. لم يعد يجيبُ على هاتفه، وفي العام قبل المنصرم ذهبتُ إلى القاهرة، وحاولتُ أن ألتقي به، لكن لم أجد أي هاتف يعمل، حاولت أن أبحث عن مكتبته للأسف لم أتمكن من الوصول إليها، بسبب طول العهد بالمكان، وهكذا غادرت القاهرة دونَ أن أحظىٰ بشرفِ اللقاء به.

الليلة فقط، رأيتُ رسالة في الماسنجر، كان هو هو.. صديقي الذي أوصله النّص القرآني إلى طريقِ النجاة.. يعيشُ الآنَ بهدوء في دولةٍ غربية، امتدادًا للمهاجرين الأول الذين تركوا خلفهم كل شيء بحثًا عن الضِّياء!

إنها سطوة النصّ القرآني الخالد.. تغمركَ بعظيمِ تدفقها، لترسو بكَ على الجودي!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين