صدقة الفطر وما بعد رمضان

 

 

أيها المستمع الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.

فحديثي إليك اليوم  عن: صدقة الفطر وحُكْمها وفضلها وآدابها.

إن الله جلَّتْ حكمته جعل صيام رمضان عبادة بدنية يشترك في أدائها الغني والفقير، والكبير والصغير، فتصفو بها نفسه، وتسمو بها روحه، وتقوى بها إرادته وعزيمته، وتجود معها يده بالخير والبذل في مرضاة الله تعالى، فيحِلُ عليه رضوان الله وتغمره رحمته سبحانه. 

وقد شاء الله أن يكون لهذه العبادة العظيمة تأثيرهُا الخيِّرُ في النفوس والأرواح والأعمال، فأوجب على المسلم عند انتهائه من صيام رمضان أن يخرج قدرا ً من المال، يسمى زكاة الفطر، يواسي به إخوانه الفقراء والمحتاجين، فيكون هذا المالُ زكاةً لفطره، وشكراً لله على توفيقه وعونه، وتداركاً لما قد يكون في صيام هذا الصائم من خلل أو نقص أو هفوات، رَوَى أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة َ الفطر طُهرة ً للصائم من اللغو والرفث - اللغو الكلام الفارغ عن الفائدة، والرفث الكلام الفاحش البذيء - وطُعمة ً للمساكين، فمن أدَّاها قبل الصلاة - أي قبل صلاة العيد - فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. 

وقد أتفق العلماء على أن صدقة الفطر واجبة على كل مستطيع، والمستطيع عند الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه هو مَنْ يملكُ نصاب الزكاة، ويقدر اليوم نصاب الزكاة بثمانين ليرة سورية، فمن كان يملك ثمانين ليرة سورية أو ما يعادلها، فاضلا ً عن حاجته الأصلية، وجب عليه إخراج زكاة الفطر عن نفسه وعن أفراد أسرته المسئول عن نفقتهم .

والمستطيع عند الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم هو من يملك كفايته وكفاية عياله في يوم العيد، وكان لديه بعد هذا قدرٌ من المال يعادل القدر الواجب عليه من صدقة الفطر، فيخرجها عن نفسه وعن زوجته وأولاده وخادمه وخادمته ممن تلزمه نفقتهم. 

وأما القدر الواجب إخراجه عن كل نفس، فقد كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَّدَّرُ بصاع من تمر، أو صاع من شعير، أو صاع ٍ من زبيب، أو نصف صاع ٍ من حنطة، رَوَى البخاري وغيره عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أَقِط، أو صاعاً من زبيب. وروى أبو داود وعبد الرزاق في مصنَّفه عن عبد الله بن ثعلبة رضي الله عنه قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناسَ قبل الفطر بيوم أو يومين فقال: أَدُّوا صاعاً من بُرّ أو قمح بيْنَ اثنين، أو صاعاً من تمرٍ أو شعيرٍ عن كل حر وعبد، صغيرٍ أو كبير، ذكرٍ أو أنثى. والصاعُ يقدر اليوم بأربع كيلوات تقريبا ًَ. 

وقد ذهب الأئمة الثلاثة الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل إلى التزام أن تكون صدقة الفطر من أحد هذه المذكورات من الحبوب أو التمر أو الزبيب، وقال الأمام أبو حنيفة يجوز إخراجها من هذه الحبوب والمطعومات، ويجوز أيضا ً إخراج ثمنها أو ما يعادل ثمنها من أمتعة وثياب لأن الغاية من تسمية ِ الصاع أو نصف ِ الصاع من هذه المطعومات بيان ُ القدر المالي الذي يجب بذله لنفع الفقير وإغنائه عن السؤال والطلب من الناس، فإخراجها من هذه المطعومات أو إخراجُ ثمنها سواءٌ عند أبي حنيفة، بل قال أبو حنيفة: الأفضل إخراجُ ما هو أنفعُ للفقير. وعلى هذا يكون دفعُ ثمنها في هذا الزمن أفضل، لأن المال أنفع للفقير وأدفع لحاجته، وأوفى بتحقيق مصالحه. 

ويجوز لكل من وجبت عليه زكاة الفطر أن يخرجها نقوداً على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وتُقَدَّرُ زكاة الفطر من النقد ليرة سورية تقريباً عن كل نفس، فيخرج المكلف عن نفسه وعن كل واحد من أفراد أسرته ليرة سورية، يعطيها لإخوانه الفقراء المحتاجين، وإعطاؤها لقريبه إذا كان فقيراً محتاجاً أفضلُ وأحبُّ إلى الله تعالى، روى الإمام أحمد والنسائي والترمذي وغيرهم عن سَلمان بن عامر الضبيّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة، وهيَ على ذي الرَّحِم ثنتانِ: صدقة وصلة. أي صلةُ رحم. 

هذا، ولا يصح أن تعطى لأصول الإنسان أو فروعه، فلا يجوز للمرء أن يعطي زكاة الفطر لأولاده الفقراء، لأنه يعد كأنه دفعها لنفسه، كما لا يجوز أن يعطيها لأحد أبويه أو جديه، إذ من الحق عليه أن يقدم لأصوله من أب وأم أو جد أطيبَ ماله وأكرم ما تملِك يده، لأنهما كانا سبَبَ وجوده، فيجب عليه برهما وتكريمهما، لا أن يتصدق عليهما صدقة محلها الفقير العاجز المحتاج. 

ويجوز أن تعطى زكاة الأسرة جميعها لفقير واحد، كما يجوز أن تعطى زكاة الفرد الواحد لفقراء متعددين، لكنَّ الأفضل إعطاؤها لفقير واحد، لأنها حينئذ تكون أوفى بسد حاجته وأكثَرَ نفعا ً له، فإعطاء زكاة الأسرة لفقير أفضل من إعطائها لفقيرين، وإعطاؤها لفقيرين أفضل من إعطائها لثلاث، يشير إلى هذا أمره صلى الله عليه وسلم بإغناء الفقراء من صدقة الفطر فيما رواه الحاكم في كتابه معرفة علوم الحديث والبيهقي في سننه عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أغنوهم عن الطواف والطلب في هذا اليوم.

ولا يشترط لصحتها عند تقديمها للفقير أن تسمى له صدقة الفطر، أو يؤخذ منه الموافقة على قبولها، بل هذا شيء ينبغي أن لا يفعل، إذ يجوز للمكلف أن يعطيها للفقير دون ذكر شيء أبداً، ويجوز له أن يقدمها له باسم الهدية، وكلما تلطف الإنسان بإعطائها للفقير كان أفضل وأحبَّ إلى الله تعالى، وفي الحديث الشريف: سبعة يظلهم الله تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم: رجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه. وقال الله تعالى في سورة البقرة: ? إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ?. 

وقد ندبنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى التعجل بإخراج زكاة الفطر بقوله وفعله، وبيّن لنا أنه ينبغي أن نتعجل بها فنخرجها قبل يوم العيد، وبيَّن لنا أن إخراجها قبل يوم العيد يجعلها زكاة مقبولة تفضلا ً من الله وكرما، وأما تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد فيجعلها صدقة من الصدقات يمكن أن تنال القبول من الله تعالى ويمكن أن ترفض، قال صلى الله عليه وسلم: فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. ولهذا قال العلماء: يستحب التعجل بإخراجها، بل يجوز إخراجها من أول رمضان، ذلك لأن التعجل بإخراجها ييسر على الفقير الانتفاع بها، ويهدِّئُ من قلق نفسه، ويخفف عنه من ألم الفقر، ويمكّنه أن يشتري بها ما يحتاجه لنفسه أو لأولاده وزوجته، كما يمكنه أن يفي بها من ديونه ما يفي، ويدفع بها من عوزه ما يدفع، فإذا جاء يوم العيد شارك الناس بسرورهم وابتهاجهم، فتكون الفرحة بالعيد شاملة لكل إنسان، غامرة ً لكل قلب. 

وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من نَفَّس عن مؤمن كُربة من كرب الدنيا نفسَّ الله عنه كربة من كُرَب يوم القيامة، ومن يسَّر على مُعْسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلما ً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

لزوم الاستقامة والطاعة بعد انتهاء رمضان

أيها المستمع الكريم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد،

فحديثي اليوم  عن: لزوم الاستقامة والطاعة بعد انتهاء رمضان. 

يفهم بعض الأغرار من الناس أن بانتهاء شهر رمضان ينتهي وجوب الصوم، وينتهي معه وجوب التمسك بكل طاعة كانت منهم في ذلك الشهر، فلهم بعد انتهائه أن يرجعوا إلى سيرتهم الأولى التي كانوا عليها، وأن يفعلوا ما شاؤوا مما حرمه الله أو نهى عنه، وهذا فهم سيء خاطئ مضلل، فما شهر رمضان إلا زمن كسائر الأزمان والشهور، وإنما أوجب الله صيامه، ودعا إلى قيام ليله بالعبادة، لحكمة عظيمة جليلة، هي نزول القرآن الكريم فيه، دستور الأمة الخالد، ومنهاجها القويم، الذي يتوجب عليها إتباعه وتنفيذه في كل يوم وفي كل آن، قال تعالى في سورة البقرة: ?شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ?. 

فكان الله تعالى يشير بذلك الآية إلى أن سبب وجوب الصوم علينا في شهر رمضان هو نزول القرآن الكريم فيه، فصوم رمضان إذاً عبادة وطاعة لله تعالى، وتكريم شرعي لدستوره الخالد الذي أنزله الله هدى للناس، وإذا كان من تكريم هذا الدستور الرباني أن نصوم الشهر الذي أنزل فيه هذا الكتاب الكريم ، ونقوم ليله بالعبادة، ونختم أيامه ببذل الصدقة والمعروف وصلة الأرحام، فمن تكريمه ولا ريب، بل من تعاليمه وأوامره التي أنزل من أجلها: الاستمرار على هذه الصفات التي تحلينا بها مدة ثلاثين يوماً نترسم فيها ما تضمنه هذا الدستور الإلهي العظيم، من أخلاق فاضلة، وعبادة شاملة، ودين قويم. 

فشهر رمضان - على هذا - مرحلة تدريبية عملية، يقوم بها المسلم لتطبع في نفسه شريعة الله والأخلاق التي يرتضيها سبحانه، ثم تكون سائر سَنَتِه على منوالها وهداها. 

ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالمحافظة على ألوان الطاعة التي كانت في رمضان، ويحافظ هو عليها، حتى قالت عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عن عبادة رسول الله قالت: كان عمله ديمة. أي إذا عمل عملاً داوم عليه واستمر على القيام به، وقد قالت رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع قيام الليل، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعداً. وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: كان رسول الله لا يدع صوم أيام البيض في سفر ولا حضر. وأيام البيض هي اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من الشهر. فكان رسول الله يصومها ويأمر بصيامها، قال قتادة بن ملحان رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بصيام أيام البيض، وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث لن أدعهن ما عشت: أوصاني بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وأوصاني بصلاة الضحى، وأوصاني بأن لا أنام حتى أوتر أي أصلي الوتر. فهذه وصايا رسول الله وسيرته الشريفة، كلها تدعو للاستمساك بالطاعة والمواظبة عليها بالقدر الذي يطيقه الإنسان ولا يعجز عنه.

ولقد خص رسول الله صلى الله عليه وسلم الشهر الذي نحن فيه: شهر شوال، بأن يصام فيه ستة أيام، وبيّن حكمة كونها ستة أيام، فقال: من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر، أي كان كصيام العام كله، وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، فصيام ثلاثين يوماً من رمضان يعدل ثلاثمائة يوم، وصيام ستة أيام من شوال يعدل ستين يوماً، فهذا عام كامل. 

ويتضح لنا من هذا الذي قدمناه أن الإسلام يحرص أن يكون المسلم على عبادة دائمة، واستقامة مطردة في سيرته وسلوكه، وبقدر لا يشق عليه ولا يعجز عنه، ذلك هدي الإسلام وتشريعه الذي شرعه الله للناس، وطالب به رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأتباعه فقال تعالى في سورة هود: ?فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ?. ولهذا قال رسول الله لسفيان بن عبد الله الثقفي عندما سأله: يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: قل آمنت بالله، ثم استقم. فالاستقامة في الإسلام هي الصفة الدائمة الثابتة في المسلم لا يتزحزح ولا يحيد عنها أبداً. 

وقد بين الله سبحانه جزاء أصحاب الاستقامة فقال في سورة فُصِّلت: ?إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ?، والاستقامة كما عرفها العلماء: هي البقاء والاستمرار على الطريق القيم العادل دون انحراف أو مغالاة أو فتور. فمن غالى في العبادة فقد خرج عن الاستقامة التي مدحها الله تعالى، ومن قصر في العبادة فقد خرج عن الاستقامة التي أوجبها الله تعالى. 

روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله دخل عليها وعندها امرأة، فقال: من هذه؟ قالت: هي الحولاء بنت تويت، وجعلت تذكر له من صلاتها وعبادتها الشيء الكثير الذي لا يطيقه إلا القليل من الناس، فقال النبي: مه - أي كفُّوا عن هذا الغلو - واكلفوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم المسجد، فإذا حبل ممدود بين الساريتين، فقال: ما هذا الحبل؟ قالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلقت به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حُلوه، يُصِلِّ أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد. أي فلينم. وجاء في حديث آخر أن ثلاثة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تداولوا فيما بينما ذكر الجنة والنار، فرأوا أنفسهم مقصرين في مرضاة الله تعالى وعبادته فجاؤا إلى بيوت أزواج النبي يسألون عن عبادة رسول الله، فلما أخبروا بها كأنهم تقالّوها، أي رأوها قليلة، فقالوا: أين نحن النبي وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأصلي الليل أبداً، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر أبداً ولا أفطر، وقال الآخر: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟! أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له. ولكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي - أي عن طريقتي وشريعتي هذه - فليس مني. فنفى صلى الله عليه وسلم عن الإسلام من تورط في هذه المغالاة المجافية للإسلام، وجعله بسببها خارجاً عن الاستقامة التي رسمها الله لعباده المؤمنين. 

وكما تنتفي الاستقامة عمن غالى في العبادة ويكون جزاؤه هذا الجزاء الشديد، كذلك تنتفي أيضاً عمن قصر في أوامر الله تعالى وواجباته ويكون له العذاب الأكيد، قال تعالى في سورة النور: ?فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ? وقال أيضاً في سورة الزمر: ?وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ * وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ * أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ * بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آَيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ?

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين