صدقة الفطر دراسة فقهية مقارنة (3)

11- مندوباتها:

يُستحبُّ إخراجها يوم الفطر بعد الفجر قبل الصلاة عند الجمهور لحديث ابن عمر الصحيح، قال: فرض رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمرٍ أو صاعاً من شَعِيرٍ على العبدِ والحُرِّ والذَّكَرِ والأُنثَى والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المسلمينَ، وأَمَرَ بها أنْ تُؤَدَّى قبل خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصّلاةِ(1).

تُجزِئُ إلى آخر يوم الفطر، فمَنْ أخَّرها عن الصلاة ترك الأفضل، ويُكره تنزيهاً تأخيرها عن الصلاة، ويحرم تأخيرها عن يوم العيد. وإنْ أخّرها لا تسقط عنه عند الجمهور لحديث ابن عباس: «مَن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومَن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات»(2).

والمراد بأنها صدقة أنه يتصدّق بها في سائر الأوقات، وأمر قبولها متوقف على مشيئة الله تعالى. ويُندب إخراجها من أحسن القوت.

12-مَصَارِفُ زَكَاةِ الْفِطْرِ:

ـ مصرفها (من يأخذها):

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ إِلَى تَخْصِيصِ صَرْفِهَا بِالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ قِسْمَتِهَا عَلَى الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ، أَوْ مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ (3).

وهو مصرف الزكاة المفروضة؛ لأنها صدقة تدخل في عموم قوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]

ولا يجوز دفعها إلى من لا يجوز دفع الزكاة إليه عند الجمهور.

ولا يجوز دفعها إلى الذميّ؛ لأنها زكاة لا تُدفع لغير المسلمين عند الشافعية والمالكية وعند أبي يوسف من الحنفية وعليه الفتوى.

الدليل: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «صَدَقَةٌ تُؤخَذُ من أغنيائهم وتردُّ على فقرائهم»(4).

وتُدفع لكل مسلم فقير بالاتفاق.

وقال الحنفية: صَحَّ دَفْعُ غَيْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى الذِّمِّيِّ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ. لقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8](5).

13ـ الذين لا تد فع لهم الزكاة:

1ـ الغني: وهو مَن يملك النصاب عند الحنفية، وهو أقل ما ينطلق عليه اسم الغني أخذاً بالمعنى اللغوي للكلمة عند الشافعية والحنابلة أي من كان عنده كفايته. ليس هناك حدٌّ للغنى إنما هو راجع للاجتهاد باختلاف الحاجات والأشخاص والأمكنة والأزمنة عند المالكية.

2ـ غير المسلم كما بيَّنا في الفقرة السابقة.

3ـ من تلزم المزكي نفقتهم من الأقارب والزوجات ولو في العدة: فلا تدفع الزكاة إلى الوالدين وإن علَو، ولا المولودين وإن سفلوا، ولا إلى الزوجات لوجوب النفقة، ولا إلى الأزواج عند أبي حنيفة والراجح عند الحنابلة.

4ـ تجوز للأزواج عند الصاحبين، والشافعية، والمالكية في الصحيح لحديث زينب امرأة عبد الله بن مسعود: «زَوْجُكِ وَوَلَدُكِ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْتِ بِهِ عَلَيْهِمْ» (6).

ويجوز دفعها إلى بقية الأقارب: أخ، أخت، عمّة، خالة، لحديث سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: " الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ: صَدَقَةٌ، وَصِلَةٌ »(7).

14ـ مسائل:

* هل تدفع للهاشمي؟:

لا تدفع صدقة الفطر للهاشمي، لكن في الوقت الحاضر تعطى الزكوات لهم لانقطاع مواردهم من بيت المال.

* هل يجوز دفع صدقة جماعة إلى مسكين واحد؟

أجاز الجمهور إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة ما عدا الشافعية، وأجاز الجمهور إعطاء الجماعة ما يلزم الواحد.

* هل يجوز نقلها إلى بلد آخر؟

القاعدة العامة: أنْ تفرَّق صدقة كل قوم فيهم، والمعتبر في صدقة الفطر المكان الذي فيه المتصدِّق اعتباراً بسبب وجوبها.

والمعتبر في الزكاة المكان الذي فيه المال.

* أقوال الفقهاء في نقلها:

اختلف الفقهاء في حكم نقل الزكاة من بلد المزكي – الذي يوجد به فقراء – إلى بلد آخر، فذهب:

1-الجمهور إلى أنه لا يجوز نقل الزكاة إلى بلد غير بلد المزكي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ، وأعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم»، ولأن نقلها عنهم يفضي إلى ضياع فقرائهم، ولما روي أن معاذًا بعث إلى عمر صدقة من اليمن، فأنكر عمر ذلك وقال: لم أبعثك جابياً ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس وترد به فقرائهم.

2-ذهب الحنفية:إلى جواز أن ينقلها المزكي إلى قرابته، لما في إيصال الزكاة إليهم من صلة الرحم، وجواز أن ينقلها إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده، وكذا الأصلح، أو أورع، أو أنفع للمسلمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

الحلقة السابقة هـــنا

 

(1) البخاري (1407) – باب فرض صدقة الفطر.

(2 ) أخرجه أبو داود (1611).

3)-حاشية ابن عابدين 2 / 79، والدسوقي 1 / 508، ومغني المحتاج 3 / 116، والفروع 2 / 540.

(4) أخرجه البخاري (1496).

(5) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي (1/ 300)

(6) أخرجه البخاري (1462).

(7) أخرجه أحمد في مسنده ط الرسالة (26/ 171)16233

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين