صبراً آل سورية اصبروا وصابروا

بقلم الشيخ نور الدين قرة علي

 نداء من أجل ...

أن يصبر شباب الثورة .. شباب الأمة .. على مرابطتهم في ثغور العمل السلمي , وذلك بتطوير أساليبه ، وطول أنفاسه ، وتنظيم زفراته ، واستغلال آهات جراحه ، والتعبير عن هذه المصابرة من خلال دراسة هتافاته ، وكتابة شعاراته التي تدل على رسوخ العزم في جبهاته ، وقوة الرسوخ في جبال تنسيقياته ،
الصبر .. من الشباب الذي يجعل النظام يرتجف في جحوره ، ويرجع جنده يلطمون بالويل والثبور وهم يعلنون الفشل في كل مرة ، ويعودون ممزقة أعماقهم بعد كل كرة ،
فالصبرُ على سلمية ثورتكم هو سر قوتكم ، وفيه يكمن ضعف خصومكم ، فكل النتائج وجميع الدراسات ، وسائر المحللين العسكريين يؤكدون ، بأن الصدور العارية هي التي تهزم في النهاية الدبابات المدرعة ، وأن رمية الحجر بأيدي أطفالكم هي رمية القدر التي ستهدم حصون خصومكم ، وأن آهة نسائكم ستحرق كل راجمات صواريخهم الموجهة على أبنائكم ،
لقد جاء في كتاب الله تعالى الأمر بالصبر والمصابرة قبل الرباط ، ومِثل الرباط المظاهرة ،           { يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون }
الصبر.. أن تصبر الأمهات على سمو العطايا والترقي في أمجاد الفداء ، وتحمل الرزايا والثبات في الصف المتقدم ، وهن ينادين الأزواج والأخوة والأبناء والأقارب ، نداء الثبات والنهوض من الاتكاء، وترك شرب القهوة ، إلى ساحات بذل الدماء ، نداء زلزل المعمورة وضرب المثل من خلال صرخة نسائية أعادت لتاريخنا نضرته ، وأثبتت لإيماننا قوته ،
فمن أشلاء زينب ... توحدت صفوفنا ، ومن صرخة التكبير... تجمعت قوتنا ،
وإن مزيدا من لحظات المصابرات عند أمثال هؤلاء الأخوات ، سينقل الأمة من الحضيض إلى المكرمات ، ويزلزل صف العدو ، الذي لم يعرف التجمع في لحظة من اللحظات ،
صبرا.. فقد سرتم في الطريق ، وعبدتم السبيل ، واستجابت منابركم لثبات أقدامكم ، وقلتم الكلمة فترنحت تحتها قوى الشر، وكادت أن تتساقط ،
وها هي المراحل تناديكم ، حذار من توقف تصعيد خطابكم ، وحذار من التقطع في أوصال تعبيركم ، وكم تتلمس الجموع في هذه الأيام العزيمة لمتابعة الطريق من خلال خطبكم وتوجيهاتكم ،
أيها العلماء في دمشق ... ساندوا من حولكم من المدن والقرى والأحياء في بلادكم ، فإن التوقف عن الكلام أسبوعا يؤخرنا عاما ، وإن مَنْعكم عن الخطابة بطريقة أو بأخرى يجب أن يكون له بديل بسماع صوتكم في أي محفل آخر ، ولو من أمام مساجدكم ، فقد جعلت لكم الأرض كلها مسجدا ،
ويا علماء حمص ... مزيدا.. مزيدا.. مما أثلجتم به قلوب أحبابكم ، فلقد رأيناكم على منابر المساجد تنادون للأمجاد ، كما سمعناكم في جنة المقابر تودعون الأبطال ، كما شاهدنا عزائم سيركم تزورون الأقران وتواسون الأحباب ،
مزيدا من المصابرة ، وليكن جمعكم رتلا للحق ، يتقدم فيه الأبناء مع الآباء ، والأحفاد مع الأبناء ، في مسيرة يتسلسل خيرها ، ويكتب الخلود سجله من آثارها ،
ويا علماء حماه... لقد نثرتم ورود عزائمكم في حدائق قلوبنا ، ففاح عطر أمجادها عزما وبرّا ،   هنيئا لكم ، ومزيدا يا أحبة.. من مصابرة إيمانكم لتحقيق المجد الإيماني الذي سيكون لكم - إلقاء أورع قصيدة - في حفله القريب بإذن الله ،
ويا علماء حلب ... آن الأوان ، واستوى الأمر على سوقه ، وبابكم لا يمكن أن يفتتحه أحد بدلا عنكم ، وصوتكم لا يمكن أن ينوب أحد عنكم برفعه في الآفاق ، الصوت الحلبي بكل أبعاده وبكل مقاماته ، آن الأوان لنصغي إلى أناشيده .. أناشيد عزمكم ،
 فموقفكم .. جنّد العدو لمنعه متاريس خوفه وهلعه ، فأروا الله من أنفسكم خيرا ، وحيّا الله نصرتكم القريبة ، وانتفاضتكم التي ستشكل تاج العرس ـ عرس نصرنا وخلاصنا وحريتنا وكرامتنا ـ
وإنا لمنتظرون ، فالمزيد..المزيد .. ، فحلوى النصر لا يطيب طعمها إلا إذا كانت مقدمة من يدكم ، يا علماء الخير ، ويا معقد الآمال ،
أما أنتم أيها السياسيون .. أو المعارضون السياسيون .. فإني يمكن ان أوصيكم بالصبر والمصابرة ، ولكن بجرعات أكبر ، فأنتم يا رواد هذا الثغر ، أنتم أحوج من غيركم لهذا النداء وهذه التوصية ، فلقد نهضتم لأداء واجبكم وحملتم مهماتكم ، ولكن تسابقتم في هذه النهضة تسابقا جعلكم في عجلة من أمركم ، فلم يأخذ التحرك لدى الأطراف عدته من الدراسة ، ولم تنضج قبل قيامه مفاهيم السياسة ،
وإن للتعجل آفات إن كان لاستباق المواقع وإدراك عاجل المنافع ، وقد يقدّم الإنسان عندئذ أمورا ينبغي أن تُؤخّر ، ويؤخر الإنسان عندئذ أمورا ينبغي أن تُقدّم ، فما حقه التقديم يكون بتقوية ما هو مشترك بين الجميع ، وما حقه التأخير يكون بإبعاد ما هو مُختلف فيه بين الأطياف ،
وإن ما أصابنا في تجمعاتنا من الارتباك وسوء الإعداد ، وما ترتب عليه من الضياع والإفساد لفرص العمل والاتحاد ، شيء صار معلوما وأمر صار معروفا ،
ولعلنا نضيف ذلك إلى ما مضى من تقاعسنا واضطراب موازين العلاقات والتحركات فيما سبق ، لنجعل ذلك تجربة نستفيد منها في الأيام القادمات ، في أيام بناء هذه الأمة من جديد ، وتحقيق الآمال التي كنا نتطلع إليها أربعين عاما من بعيد ،
الصبر.. الصبر.. أيها المعارضون ، يا من تتنسمون نسائم الحرية وحياة الكرامة ، ففي أجواء الحرية ابتلاءات العمل المشترك ، وويلات الطمع والتعجل والنّزق ،
ولم نتخوف سابقا على مجاهدي الأفغان من بذل دمائهم في مقاومة العدو ووحدتهم في مقارعة الخصم ، ولكن تخوفنا من صراعهم على الكراسي ، وهي ثالثة الأثافي ، وقبلها العصبية التي رأيناها في المنافي ، والتعجل الذي أثار غبار الفيافي ،
ولِمن أنادي صبرا .. بعد ذلك ؟! سأنادي قلمي ... صبرا أيها القلم .. فالكلمات في الصدور تئن ، والعبارات في القلوب عبرات من دم ، فصبرا أيها القلم ورويدك .. ولكنه يسارع بدون توقف ويكتب بدون رقابة ، ويقول : إني أخجل أن أنادي المتقدمين وأنا في المؤخرة ، وأنادي أهل الابتلاء وأنا في أرض الرخاء ، وأنادي أئمة الجهاد وأنا في أرض القعود ،
فقلت له لا بأس أيها القلم فإنه يحق لمن في الأرض أن يقول للشمس أشرقي ، وأن ينادي السحب في عليائها أن أمطري ، وأن يقول لمن أولاهم الله فضل التقدم أن لا تتأخروا ، ولمن شَرُّفوا بحمل راية الإمامة أن اصبروا وصابروا ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين