شعبان هو بشير الخير بمقدم رمضان

 

ها هو شهر شعبان ،وقد انتصف، وأوشك أن يودعنا ويقبل علينا في عقبه  رمضان: شهر الخير والإحسان ،ومن قبل شعبان كان رجب الفرد، وهو شهر حرام، وجميعها أزمنة مباركة وأوقات فضيلة ، ومواسم للطاعات، يستقبلها المؤمنون فرحين مستبشرين؛ بفضل ورحمته. 

وإذا كانت حادثة الإسراء والمعراج في رجب فقد أكرم الله عزوجل أيضا نبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: بمعجزة  حسية باهرة أيضا في شعبان ،قبل الهجرة كما أثبت المؤرخون،  عندما طلب كفار قريش منه أن يشق القمر، فقد قالوا له:إن كنت رسولا من عند ربك حقا فإنا نطلب دليلا على صدق رسالتك ،وهذا القمر أمامك- وكان في ليلة بدرية- فاجعله نصفين، وإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم: يشير بيده بأمر من ربه عزوجل إلى السماء ناحية  القمر ؛ فينشق نصفين نصف في السماء ،والنصف الآخر نزل على جبل يسمى أبي قبيس، والناس ينظرون مدهوشين في استغراب، وعجب مابين مصدق ومكذب، ومذهول؛ لما حدث. 

فكبر المسلمون ، وازدادوا يقينا وإيمانا ،وقال أهل الكفر والضلال: سحر محمد أعيننا. 

فنزل الله عزوجل: (اقتربت الساعة، وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا ،ويقولوا سحر مستمر ،وكذبوا واتبعوا أهوائهم ،وكل أمر مستقر )

وفي منتصف شعبان كذلك حقق الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: رغبة حميدة ، وأمنية عزيزة، كان يتطلع اليها وهي: أن تحول القبلة إلى الكعبة المشرفة. 

فقد كان المسلمون يستقبلون في صلاتهم بيت المقدس، وكان صلى الله عليه وسلم يؤمل، ويرجو أن تكون قبلته وقبلة أمته الكعبة المشرفة، ويصور القرآن الكريم تشوق النبي صلى الله عليه وسلم إلى تحقيق ذلك في قوله تعالى: ( قد نرى تقلب وجهك في السماء ،فلنولينك قبلة ترضاها ،فول وجهك شطر المسجد الحرام، وحيث ماكنتم فولوا وجوهكم شطره)

فتحولت القبلة بنزول الآيات القرآنية الكريمة. التي أمر الله عزوجل فيها رسوله الكريم والمسلمين بتولية الوجه عند إرادة الصلاة تجاه المسجد الحرام.

 وعندما علم يهود- أخزاهم الله- بذلك: جعلوا  يرجفون ويشككون ويقولون: لو كان محمد رسولا بحق ماخالف قبلتنا، وقبلة الأنبياء من قبله. فوصفهم الله عزوجل؛ بالسفه ونزل قوله تعالى: ( سيقول السفهاء من الناس ماولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، قل لله المشرق والمغرب ،يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم). 

وبيَّن الله عزوجل؛ حكمته في أمر تحويل القبلة عندما قال سبحانه:  (وماجعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه ،وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله، وما كان الله ليضيع إيمانكم. إن الله بالناس لرؤوف رحيم ) فشأن أهل الإيمان الصادق أن يتبعوا رسولهم فيما أنزل إليه من ربه لأنه عزوجل تعبدهم بإمتثال أمره وإجتناب نهيه 

أيضا من فضائل شهر شعبان: أن موائد الرحمات تمد فيه، وواجب المؤمنين التعرض لها بمداومة الطاعات بالقلب والجوارح ، والإخلاص لله عزوجل  فيها،  وإحسان العمل، ودوام المراقبة له سبحانه وتعالى، في السر والعلن، حيث يراك الناس وحيث لايرونك. 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم: يكثر الصيام في شعبان فقد روت أمنا، وسيدتنا عائشة رضي الله عنها، وقالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم من شهر أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان إلا قليلا .

إن مقدم شعبان : كالبشير بقرب حلول رمضان .فحريٌّ بنا إكرام، وفادته ، وحسن صحبته ، بكثرة الذكر ، والعبادة ، وتلاوة القرآن حتى ننال من الله عزوجل العفو والغفران. 

ينبغي أن يكرم الزمان، وخاصة أوقات الفضائل بزيادة الطاعات وإجتناب المنكرات. 

وفعل الطاعات: مجال واسع كبير، فما أحوجنا إلى مثوبة  بر الوالدين، وصلة الأرحام ومواساة الأيتام، وتفقد أسر الشهداء ،والمصابين، والأسري، والمظلومين المعتقلين  الذين غاب عنهم الأب الحاني، والإبن البار، والأخ الرؤم، والأم الحنون. 

نسأل الله العلي القدير أن يرحم الشهداء ،ويعلي قدرهم، ويفك المأسورين ويطلق سراحهم بحوله وطوله ،وقوته إنه على مايشاء قدير. 

من المهم قبل ختام المقال أن نذكر أحبابنا ،وقرائنا  الكرام :بأنه ليس هناك دعاء مخصوص في شعبان، وليلة النصف منه أو في غيرها من ليالي العام، بإستثناء دعاء ليلة القدر الوارد في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم  بماذا تدعو في ليلة القدر فقال لها: قولي، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفو عني.

وأما ما يقوم به بعض العوام من الاجتماع ليلة النصف من شعبان ،والدعاء فيها بكلمات مخصوصة، فلا أصل له ولاسند، ولم يرد عن سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، وكذلك مايقال من صلاة ست ركعات في جماعة بنية طول العمر ، وتكثير الرزق، ورفع البلاء كل هذا ليس من صحيح الدين، ولم يفعله أحد من أئمة المسلمين المعتبرين. والآجال من الأزل محدودة ، والأرزاق مقسومة. ولن يحدث للمرء في دنياه سوى ما قدره الله عزوجل وقضاه. 

اللهم أعنا على طاعتك، وبلغنا رمضان. 

وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله ،وصحبه وسلم 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين