يتداول الناس منذ شهور، عبر وسائل التواصل، تسجيلا مصورا لشاعر عراقي عجوز، هو الدكتور محمد حسين آل ياسين، يتقحم فيه الكلام في تفسير بعض آيات القران في جرأة الواثق وجهل الأبله الذي لا يفقه ما يقول.
فأفضى به ذلك العبث إلى تصورات باطلة منكورة غير مسبوقة، يأباها العقل والنقل واللغة والفطرة، يزعم فيها أن الكافر من وَلدِ نوح عليه السلام كان لِغيرِ رِشدَة.
وأن النساء المؤمنات يُزوَّجن في الجنة بِحُورٍ عينٍ من الرجال يطؤونهن مع أزواجهن من الإنس، كما أن المؤمنين يُزوَّجون في الجنة بِحُورٍ عينٍ من النساء مع أزواجهم من الإنس.
وحُقّ للعقلاء أن يضحكوا من هذا الهذيان.
وكان قد وصلني الجزء الثاني من هذا التسجيل المصور لهذا الشاعر المسكين، (وهو الجزء المتعلق بالحور العين) في الأيام الأولى لهذه السنة 2018 م. من أخ فاضل يسألني إبداء الرأي فيه.
فأجبته وقتها بالآتي:
والله زمان العجايب يا أخي.
وقديما قيل: شر البلية ما يضحك.
ولكنه هنا المضحك المبكي، لأن هناك من يقع هذا الاكتشاف الموهوم على أبصارهم وقوع الفلاش الساطع الخاطف، فيذهب بأبصارهم، فيسلّمون "على عماها" لهذه الجهالات، كما حصل مع المذيع المسكين.
ويزكي هذه الجهالات عندهم أن المكتشف هو الدكتور، أو الشاعر، أو اللغوي أو الأكاديمي...... الخ...
وقد سبق أن سمعت قبل عقود، طرحا من هذا القبيل في برنامج تلفزيوني يقدمه طبيب باحث اسمه "أحمد شوقي إبراهيم" لا يقل جراءة وجهالة عن المتحدث في الفيديو.
أقول: مسكين هذا الشاعر، يبحث عن اكتشاف يسجَّل باسمه فظن أنه وجد بغيته في القرآن.
ولو أنه قصر بحثه وكشفه على الشعر، فلعله كان يكتشف لنا بحرا آخر من بحور الشعر لم يهتد إليه الخليل. والخطأ هناك يسير الوطء، مغفورر التبعة.
أما أن يجترئ على القرآن بجهله، ويزوج المؤمنات "المتزوجات" في الجنة، برجال من نسج خياله، يطؤونهن مع أزواجهن، غير آبه بغريزة الغيرة المؤصلة شرعا، ولا بمخالفة الفطرة السوية التي تأبى تناوب الواردِين على الفرج الواحد، ثم هو يؤكد هذا الانتكاس في الفطرة فيقول: نعم. نعم. مع أنه يتحرج حتى من النطق به، فهذا كذب على القرآن، وقول على الله بلا علم، وإن ظنّه علما، وإن صدّقه المذيع.
ولست أدري إن كان تزويجه المضحك ذاك يشمل أمهات المؤمنين رضي الله عنهن؟!!
بل لعله يرى أنهن أحق به لأنه - في نظره - نعيم وتكريم، ومن أولى منهن بالنعيم والتكريم؟!!
..... ولك ان تتصور الصورة القبيحة المتخيلة لهذا الفهم الجاهل السقيم!!
إذًا فأين يذهب بقوله تعالى:
(... وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا) [سورة اﻷحزاب 53]
هذا من بعده صلى الله عليه وسلم. فكيف بالاشتراك معه؟! اللهم غفرا. اللهم غفرا.
صورة يتقزز المرء ويتأذى شعوره من مجرد تخيلها، فكيف يزعمها هذا الباحث البائس حقيقة؟!!
وأما ما بنى عليه خياله الفاسد ورأيه الكاسد فهو أوهى من بيت العنكبوت.
وإليك بيانه:
أولا: جاء ذكر الحور العين في سياق تعداد نعيم السابقين المقربين من أهل الجنة في قوله تعالى:
(وَحُورٌ عِينٌ) [سورة الواقعة 22]
ترى فلمن تكون تلك الحور العين؟ للمؤمنين في الجنة، أم للمؤمنات؟
وجاء خبر التزويج بالحور العين في قوله تعالى:
(كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) [سورة الدخان 54]
وقوله تعالى: (مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ ۖ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ) [سورة الطور 20]
والفعل "زوجناهم" في الآيتين ينصب ضمير جمع الذكور. فيتعين بدلالة ظاهر النص أن تكون الحور العين "الزوجات" إناثا.
هذه واحدة.
ثانيا: صحيح أن كلمة حُور. تأتي جمعا لكل من "أحور" و "حوراء" ولكن السياق هو الذي يعين المقصود.
ومن تجاهل دلالة السياق على أحد المعنيين كان كمن يدعي أن الزوجة تستحق نصف ميراث الزوج مستدلا بقوله تعالى: (ولكم نصف ما ترك أزواجكم...) بدعوى ان الأزواج تصح جمعا للمتزوجين والمتزوجات.
فنقول له: نعم. الأزواج يصلح جمعا لكل من الفريقين. ولكن السياق يحدد المقصود وجوبا ويزيل اللبس لزوما.
وكذلك في مسألة "الحور" فهي وإن كانت تصح جمعا لـ أحور وحوراء.
إلا أن مواردها في القرآن كله تنصرف إلى الإناث "جمع حوراء" وذلك بقرينة آية أخرى تفسرها، ولا سبيل إلى تجاهلها.
والقرآن يفسر بعضه بعضا
الآية التي نشير إليها تصف الحور بالأنوثة، فتقطع الشك باليقين.
وذلك في قوله تعالى:
(حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ) [سورة الرحمن 72]
فهل يصح بعد ذلك عند الشاعر المتحدث الذي يُظهر فروسية في اللغة العربية، هل يصح أن تكون الحور المقصورات ذكورا يتزوجون المؤمنات؟!!
ثالثا: وما قلناه في "حُور" نقوله في "عِين"
فإن هذه الكلمة تصلح جمعا لـ "أعيَن" و "عيناء" ولكن تفسير القرآن لها في آية أخرى دل قطعا على أن المقصود بها الإناث. وذلك في قوله تعالى: (وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ) [سورة الصافات 48]
فلا يصح في عقل ولا لغة ولا شرع أن نقول: هناك حور مقصورات، وقاصرات الطرف عين يتزوجون المؤمنات في الجنة.
حقا شر البلية ما يُضحك.
والله أعلم.
ذلك كان تعليقي على ما يتعلق بكلامه عن الحور العين، قبل نحو سنة.
أما الآن، وقد سمعت ما يتعلق بسيدنا نوح عليه السلام.
فأقول: هذا المتحدث حمار يمشي علي قدمين، يهذي بمحض الباطل الذي ليس له في العلم رصيد.
ولو كان له من مُسكة من عقل لاستحى على نفسه من فرط جهله.
وذلك لأن فهمه السقيم مفضوح مردود في موضعين من الآيات التي أشار إليها، ولم يُحسن حفظها ولا تلاوتها.
الأول: أن الله تعالى شهد ببنوّة ذلك الابن لنوح عليه السلام في قوله تعالى: (... وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ ...)[سورة هود 42]
فهل نكذب القرآن ونصدق هذا الغبي المعتوه؟!
ليت هذا المعتوه يعلم أن زعمه نفي نسب ابن نوح كفر مخرج من الملة، لأنه تكذيب لصريح القرآن الذي شهد له بالبنوة لنوح.
الثاني: أن الحق سبحانه لمّا نفى كون المذكور من أهل نوح، فسّر ذلك بانه ليس من أهله من حيث العمل، لا من حيث النسب، وذلك في قوله سبحانه:
(قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ ...) [سورة هود 46]
ليقطع الطريق على أمثال هذا الجاهل المتعالم.
فلست أدري كيف لم يجد هذا النكرة، من العلم أو الفهم أو الحياء ما يكفه عن النطق بما فاه به، مع وجود كل هذه القرائن النصية المانعة مما ذهب إليه من هذا السفه!!
وصدق الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ يقول: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحيِ فاصنع ما شئت.
والله أعلم.
التعليقات
يرجى تسجيل الدخول