شرح الأربعين النووية: (١)

الحديث الأول: [إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ]

عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يقول: (إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّاتِ وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى, فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ, ومن كانت هجرتُهُ لدنيا يصيبُها أو امرأةٍ ينْكحُها فَهجرتُهُ إلى ما هاجرَ إليْهِ). رواه البخاري ومسلم.

شرح الحديث:

هذا حديث صحيح متفق على صحته وعظيم موقعه وجلالته وكثرة فوائده، وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام، قال الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله: "يدخل في حديث الأعمال بالنيات ثلث العلم". وسبب ذلك أن كسب العبد يكون بقلبه ولسانه وجوارحه والنية أحد الأقسام الثلاثة .وروي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه أنه قال: يدخل هذا الحديث في سبعين باباً من الفقه، وقال جماعة من العلماء: هذا الحديث ثلث الإسلام.

واستحب العلماء أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث، وممن ابتدأ به في أول كتابه: البخاري. وقال عبد الرحمن ابن مهدي: ينبغي لكل من صنف كتاباً أن يبتدئ فيه بهذا الحديث تنبيهاً للطالب على تصحيح النية.

*ولفظة:(إنَّما) للحصر: تثبت المذكور وتنفي ما عداه. والمراد بالأعمال: الأعمال الشرعية. ومعناه: لا يعتد بالأعمال بدون النية, مثل الوضوء والغسل والتيمم, وكذلك الصلاة والزكاة والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات، فأما إزالة النجاسة فلا تحتاج إلى نية لأنها من باب الترك, والترك لا يحتاج إلى نية، وذهب جماعة إلى صحة الوضوء والغسل بغير نية، واختلف العلماء في التقدير: فالذين اشترطوا النية قدروا: صحة الأعمال بالنيات، والذين لم يشترطوها قدروا: كمال الأعمال بالنيات.

*وقوله صلى الله عليه وسلم:( وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى) قال الخطابي: يفيد معنىً خاصاً غير الأول- إنما الأعمال بالنيات- وهو تعيين العمل بالنية، وقال النووي: فائدة ذكره أن تعيين المنوي شرط, فلو كان على إنسان صلاة مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة, بل يُشترط أن ينوي كونها ظهراً أو عصراً أو غيرهما، ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين, أو أُوهِمَ ذلك والله أعلم.

*وقوله صلى الله عليه وسلم (فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ) معناه (فمن كانت هجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ) نية وقصداً, (فَهجرتُهُ إلى اللَّهِ ورسولِهِ) حكماً وشرعاً.

وهذا الحديث ورد على سبب, لأنهم نقلوا: أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة ليتزوج امرأة يقال لها: أم قيس، لا يريد بذلك فضيلة الهجرة, فكان يقال له: مهاجر أم قيس. والله أعلم.

يتبع ...

منقول بتصرف من كتاب شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد رحمه الله.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين