شرائع الإسلام منها ما يناط بالفرد وما يناط بالمجتمع وما يناط بالدولة

 

ليس منها جرّ الجرائر والإجلاب على أمة الإسلام

 

 

مجالي عظمة شريعة الإسلام كثيرة لا حدود لها ، وهي ليست في كمال هذه الشريعة وشمولها ، أو في عدالتها وقسطها وبرها ، أو في سماحتها ويسرها فقط ؛ بل إن النظام والتنظيم الدقيق في رسم دوائر التكليف بين الفردي والجماعي ، ثم بين المجتمعي والحكومي ، وتحديد المسئوليات بين ما عرفه الفقهاء بالعيني الفردي والعيني الجماعي ، والجماعي الكفائي ؛ كل أولئك مما يعد من أبرز مجالي عظمة هذه الشريعة ، ومن أهم أسرار صلوحها وخلودها ...

في شريعة الإسلام أحكام فردية ، تبدأ من عالم النفس في صورة واجبات ومنهيات شعورية نفسية يجاهد المسلم الفرد عليها نفسه ، ويراقب ويتابع مشاعره الشخصية فيها ؛ تصويبا وتهذيبا حيث يناط به أن ينفي عن خاصة نفسه مشاعر الأذى من كبر وعجب وحقد وحسد وضغينة وكراهية وبخل وأن يلحقها بآفاق الكمال والجمال من القيم الإيجابية ، ثم من عالم الشعور إلى عالم السلوك ومن عالم الفرد إلى عالم الأسرة الصغيرة ، ومنه إلى عالم الجماعة الكبيرة والأكبر حيث ترسم شريعة الإسلام للفرد المسلم مدارات نشاطاته وحركته الإيجابية وحدودها بخطوط واضحة لا لبس فيها ...

وفي شريعة الإسلام واجبات جماعية لا يمكن للفرد أن يباشرها منفردا ، بل يسقط وجوبها عنه مباشرة إن لم يكن في مجموعة ( مجتمعية ) تعينه على أدائها . ففي مذهب الشافعي لا جمعة على أقل من أربعين . وعند أبي حنيفة لا جمعة في تجمع ليس فيهم ممثل للحاكم أو الإمام . وهكذا نجد أفقا آخر لأحكام الشريعة تقع مسئولية القيام به على الجماعة المسلمة متعاونة متضامنة متكافلة . ويسقط وجوبه عن الفرد على سبيل التخفيف عنه تارة وعلى سبيل حجزه عن الافتئات على الجماعة في أمرها أخرى . وللمفسرين والفقهاء وقفات مطولة عند تفسير قوله تعالى ( وأمرهم ) شورى بينهم حول أي معني مهم أو خطير كنى الله تعالى عنه بالأمر ..

ومستوى ثالث من الأحكام أناطتها الشريعة الإسلامية أصلا بصاحب ( الأمر ) والقائم عليه ، والمقصود بصاحب الأمر ( حاكم المسلمين ) تحت أي اسم وعنوان . من هذه الأحكام الفصل في الخصومات وتنفيذ الأحكام وإيقاع العقوبات وإقامة الحدود ، ومنها إعلان الحرب ، وعقد المعاهدات والدخول في السلم ؛ أحكام لا يحق للأفراد أصلا مباشرتها ، وإن كانوا مجتمعين . ومن المهم أن نذكر أن الكثير من الدساتير الحديثة أناطت حق إعلان الحرب وعقد المصالحات بالبرلمانات ، بل وبأكثرية الثلثين من أعضائها لما يترتب على هذه القرارات من تداعيات . فما أيسر على الطفل الغرير أن يشعل الحريق بعود ثقاب ثم ما أصعب على العقلاء الحلماء تلافيه .

إن ما تعيشه أمتنا اليوم من حالة من الانفلات العام ، وغياب المرجعية الموثوقة بكل مستوياتها السياسية والعلمية والمجتمعية لقبيح . وأقبح ما في هذا الانفلات أنه وهو الخروج السافر على شريعة الإسلام ، يتم باسمها ، ومن أناس يدعون الانتماء إليها ، والانتصار لها ..!!

وإن أهم أسباب هذا الانفلات جهل وغرور وجرأة جيل من الشباب المندفعين في طريقه والمنخرطين فيه ، بدون تقدير للعواقب وحساب للمآلات أولا ، ثم في غياب مرجعية سياسية جديرة باحترام الأمة وثقتها ، مرجعية قادرة على تحمل عبء لحظة تاريخية تعج بالتحديات متعددة الآفاق ، مع حرص على الاستئثار واستغراق في الاستبداد والفساد ثانيا . ثم في تغييب المرجعيات العلمية والعقلية الراشدة التي تعلم وترشد وتهدي ثالثا ....

إن تغييب المرجعيات العلمية ( الشرعية ) والعقلية المدنية ، وتسويد نخبة من أهل السفاهة بائعي الدين بالدنيا ، والحقيقة بالزيف على منابر المساجد ومنابر الرأي العام وفي مواقع المسئولية هو الذي يساهم في إيجاد حالة من الغضب والرفض والتمرد عند شباب أمة يرون أنهم يقادون وأمتهم وشعوبها إلى التي لا تحسن ولا تجمل ...

لقد أحاطت بأمة الإسلام في هذه الحقبة التاريخية المظلمة دائرة من الشر لا أحد يدري كيف يكسر طرفها ، فحاكم مستبد فاسد ، ورجل رأي أو دين منخلع و يبيع دينه ورأيه وكلمته بعرض من الدنيا قريب ، وثالثة الأثافي شباب منفلت مبلغه من العلم قليل يدعو بالشر دعاءه بالخير ، لا يتبصر بالعواقب يحاصر نفسه بالجزئي فيعمى عن الكليّ ، يعلق بصره بالأفق الواطئ القريب فتخفى عنه القمم السامقات ..

إن هذه الأفعال الهوج المنفلتة التي لا يؤيدها شرع ، ولا يقرها عقل ، والتي تنسلك جميعا كما نتابع مخرجاتها منذ ربع قرن في إطار الإجلاب على أمة الإسلام ، وجر الجرائر عليها ، وتحميلها من العداوات ما لا حاجة لها فيه ، وما لا قبل لها به ، لهو عدوان على شريعة الله أولا ، وافتئات على أمر الأمة ثانيا ، ودفع لها في مهاوي الردى والضياع ثالثا . ..

إن المستفيدين من هذه الأفعال الفردية ( الشاذة ) و( النادة ) والتي على الرغم من خروجها على حدود الله ، ومسلمات أحكام الشريعة ، لا تنكي عدوا ، ولا تهز له ركنا ؛ إنما هم أعداء الأمة ، الذين يتربصون بها الدوائر ، ويستعدون عليها بالذرائع وعلى رأس هؤلاء الماكران الأسودان العدو الصفوي وتابعه العدو الأسدي على حد سواء ..

فهل يملك هؤلاء الذين يفتحون في جنب الأمة ( دمامل ) و( خراجات ) قدرة على رؤية تساعدهم على ربط انعكاس الجريمة التي ارتكبوها منذ أيام في باريس ليس على واقع المسلمين في فرنسا والغرب ومستقبلهم هناك فقط ، بل على واقع معركة المسلمين الكبرى في الشام ( سورية وفلسطين ) وفي اليمن والعراق ، وكيف يدعي الدفاع عن أمة من لا يهتم بانعكاس فعله على واقع المنتمين إليها ؟!

هذه الجرائم التي يرتكبها جيل ( رؤوسا ضلّالا ) كما سماهم الرسول الكريم من (الضالين المضلين ) ما هي إلا جناية على الإسلام وأهله ، جناية على العقيدة والشريعة والمنهج وعلى الأرض والدار والإنسان ، على الرجل والمرأة والشيخ والطفل ، جناية على الحاضر والمستقبل على حد سواء ...

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين