شدَّاد بن أوس رضي الله عنه

 

 

هو شدَّاد بن أوس بن ثابت بن المنذر بن حرام.

 

له كنيتان: أبو يعلى، وأبو عبد الرحمن، الأنصاري النجَّاري الخزرجي.

 

وشدَّاد، هو ابن أخي حسان بن ثابت، شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

كان شدَّاد من فضلاء الصحابة وأعلامهم والصفوة الممتازة من علمائهم، وكان له خمسة أولاد، منهم بنته خزرج، تزوجت في الأزد، وكان أكبرهم يعلى، ثم محمد، ثم عبد الوهاب والمنذر، كان مقامهم جميعاً في بيت المقدر بعد إذ نزل بها أبوهم شدَّاد، ولما مات شدَّاد واستمر مقام أهله في بيت المقدس كانت الرجفة التي هزت جوانب الشام، وكان أشدها ببيت المقدر، ففني كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم، ووقع منزل شدَّاد على ساكنيه، فذهب منهم من ذهب، وسلم محمد بن شدَّاد بعد إذ ذهبت رجله تحت الردم.

 

وكانت لشدَّاد نعل قد خلَّفها عند ولده، فصارت إلى محمد بن شدَّاد، وكانت هذه النعل زوجاً، فلما أن رأت خزرج بنت شدَّاد ما نزل بأخيها محمد وبأهله، جاءت فأخذت فرْد النعلين وقالت: يا أخي، ليس لك نسل، وقد رزُقت ولداً، وهذه مكرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحب أن تشترك فيها ولدي، فأخذتها منه.

 

ولقد كان ذلك في أول أوان الرجفة فمكثت النعل عندها حتى أدرك ولدها فلما جاء المهدي إلى بيت المقدر أتوه بها، وعرفوه نسبها من شدَّاد، فعرف ذلك وقبله، فأجازها وولدها كلا منهما بألف دينار، وأمر لكل واحد منهما بضيعة، وبعث إلى محمد بن شدَّاد، فأتى به يُحمل لزمانته فسأله عن خبر النعل فصدّق ما بلغه، فقال له المهدي: ائتني بالأخرى، فبكى وناشده الله، فرقّ له وخلاها عنده.

 

قال أبو الدرداء: إن شدَّاد بن أوس أوتي علماً وحلماً.

 

وقال سعيد بن عبد العزيز: فَضَل شدَّاد بن أوس الأنصار بخصلتين، ببيان إذا نطق، وبكظم إذا غضب.

 

وقد روى بعض الرواة أن شدَّاداً شهد بدراً، ولكن ذلك لم يصح، بل الذي صح أن أوساً أبا شدَّاد كان بدرياً وقد استشهد يوم أحد.

 

وهذا ابن سعد يقول في شدَّاد ومن لفّ لفه: لم يبق بالشام أحد كان أوثق ولا أفقه ولا أرضى من عبادة بن الصامت وشدَّاد بن أوس، ويقول المفضل الغلابي: زهّاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء، وعمير بن سعد، وشدَّاد بن أوس.

 

قال عبد الرحمن بن غنيم:

 

لما دخلنا مسجد الجابية أنا وأبو الدرداء، لقينا عبادة بن الصامت، فأخذ بشماله يميني، وبيمينه شمال أبي الدرداء، فقال: إن طال بكما عمر أحدكما أو كليكما، فيوشك أن تريا الرجل من ثَبَج – كل شي معظمه -المسلمين قد قرأ القرآن أعاده وأبداه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، ونزل عند منازله، أو قرأ به على لسان أحد لا يحور فيكم إلا كما يحور رأس الحمار الميت – لا يحور لا ينتفع بما حفظه من القرآن كما لا ينتفع بالحمار الميت صاحبه -.

 

ثم استأنف عبادة بن الصامت حديثه فقال: فبينا نحن كذلك إذ طلع علينا شدَّاد ابن أوس، وعوف بن مالك، فجلسا إلينا، فقال شدَّاد: إن أخوف ما أخاف عليكم أيها الناس، لما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الشهوة الخفية والشرك.

 

فقال عبادة وأبو الدرداء: اللهم غفراً، أو لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حدثنا أن الشيطان قد يئس أن يعبد في جزيرة العرب.

 

فأما الشهوة الخفية فقد عرفناها، فهي شهوات الدنيا من نسائها وشهواتها، فما هذا الشرك الذي تخوّفنا به يا شدَّاد؟

 

قال: أرأيتكم لو رأيتم أحد يصلي لرجل، أو يصوم له، أو يتصدق له، أترون أنه قد أشرك؟ قالوا: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك.

 

فقال عوف: أو لا يعمد الله إلى ما ابتغى فيه وجهه من ذلك العمل كله، فيقبل منه ما خلص له، ويدع ما أشرك به فيه؟

 

قال شدَّاد: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عن الله عزَّ وجلّ قال: أنا خير قسيم، فمن أشرك بي شيئاً فإن جسده وعمله، قليله وكثيره، لشريكه الذي اشرك به، أنا عنه غني.

 

روى رجل من بني مجاشع قال: انطلقنا في جماعة نؤم البيت، فإذا نحن بأخبية بينها فُسطاط، فقلت لأحد أصحابي: عليك بصاحب الفسطاط فإنه سيد القوم، فلما انتهينا إلى باب الفسطاط، سلَّمنا، فردَّ السلام، ثم خرج إلينا شيخ تجلله رزانة ووقار، ما رأيناه حتى هبناه مهابة، لم نهبها والدا قط ولا سلطاناً، فقال: ما أنتما؟ قلنا: فتية نؤم البيت، قال: وأنا قد حدثتني نفسي بذلك، وسأصحبكم، ثم نادى فخرج إليه من تلك الأخبية شباب فجمعهم ثم خطبهم وقال: إني ذكرت بيت ربي، ولا أراني إلا زائره.

 

فجعلوا ينتحبون عليه بكاءً، فالتفتَ إليَّ شاب منهم، فقلت: من هذا الشيخ؟ قال: شدَّاد بن أوس، كان أميراً، فلما أن قتل عثمان اعتزلهم.

 

قال: ثم دعا لنا بسويق فجعل يبسُّ لنا ويطعمنا ويسقينا.

 

ثم خرجنا معه، فلما علونا في الأرض، قال الغلام له: اصنع لنا طعاماً يقطع عنا الجوع – يُصغره – كلمة قالها، فضحكنا، فقال: ما أراني إلا مفارقكما، قلنا: رحمك الله، غنك كنت لا تكاد تتكلم بكلمة، فلما تكلمت لم نتمالك أن ضحكنا، فقال: أزودكما حديثاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا في السفر والحضر، فأملى علينا وكتبناه:

 

(اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك يقيناً صادقاً، وقلباً سليماً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم، إنك أنت علام الغيوب).

 

وخطب شدَّاد يوماً فقال: أيها الناس، إن الدنيا عرض حاضر، يأكل منها البر والفاجر، وإن الآخرة أجل مستأخر، يحكم فيها ملك قادر، ألا وإن الخير كله بحذافيره في الجنة، وإن الشر كله بحذافيره في النار، رضي الله عنه كما رضي عن الصحابة أجمعين.

 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

 

المصدر: مجلة لواء الإسلام السنة 20، العدد 7، ربيع الأول 1386ه، الموافق يونية 1966م

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين