شخصية المسلم مع مجتمعه -6- متّصف بالحياء

لقد وقفنا فيما سلف عند بعض هذه النصوص التي جلَّت جوانب من شخصية المسلم المستجيب لهدي دينه، الوقَّاف عند أمر ربه ونهيه، وتبين لنا من خلالها أن المسلم الحق صادق، وفيّ، لا يغش، ولا يخدع، ولا يغدر، ولا يخون، ولا يحسد، حسن الخلق مع الناس جميعا.

وها نحن أولاء نمضي مع النصوص الأخرى الكثيرة التي تصوغ شخصيَّة المسلم الاجتماعيَّة، وتحدِّد طابعها المتميز في شتى النواحي، ومنها أنه:

متَّصف بالحياء:

فالمسلم الحق يتَّصف بالحياء تأسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان المثل الأعلى في الحياء، يشهد لذلك قول الصحابي الجليل أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: " كان رسول الله أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئا يكرهه عرفناه في وجهه" متفق عليه.

والحياء- كما عرّفه العلماء- خلق نبيل يبعث دوما على ترك القبيح، ويمنع عن التقصير في حق أصحاب الحقوق، ومن هنا أشاد الهدي النبوي في عدد من الأحاديث الشريفة، وعدّهُ خيرًا محضًا على صاحبه وعلى المجتمع الذي يعيش في.

فعن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الحياء لا يأتي إلا بخير" متفق عليه، وفي رواية لمسلم:" الحياء خيرٌ كلُّه. أو قال: الحياء كلُّه خير".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان" متفق عليه.

إن المسلم الصادق التقي حييّ مهذّب دَمِث، مرهف الشعور، لا يصدر عنه فعل قبيح يؤذي الناس، ولا يقصّر في حقّ أحد ذي حق.

ذلك أن خلق الحياء يحجبه عن ذلك كله، ويذوده عن الوقوع فيه، لا حياءً ولا خجلًا من الناس فحسب، وإنما حياء من الله تعالى، وتحرجًا أن يَلبِس إيمانَه بظلم، إذ الحياء شعبة من شعب الإيمان. وهذا أرقى ما وصل إليه الإنسان من تخلُّق بالحياء.

إنَّ ربط البواعث الأخلاقية بالإيمان بالله واليوم الآخر، يميز الإنسان المسلم عن غيره بالإخلاص العميق في الأخلاق التي يتَّصف بها، وبثبات هذه الأخلاق وديمومتها فيه، مهما تقلبت الأيام به وتغيَّرت الأحوال؛ ذلك أنها صادرة عن وجدان حيّ مرهف يستحيي من مقارفة الخيانة، وحياؤه من الله المطّلع على الخبيء من أسراره، قبل حيائه من الناس المطّلعين على الظاهر من أخباره، وهذا الحياء من الله هو مفرق الطريق بين أخلاق المسلم وأخلاق غير المسلم.

الحلقة الخامسة هــنا

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين