شخصية المسلم مع مجتمعه (4)

موف بالعهد:

والمسلم الحق الذي ارتوت نفسه من هدي الإسلام، يتحلّى أيضا بالخلق الإيجابي المحبَّب، خلق الوفاء بالعهد، وإنجاز الوعد. ولا نغالي إذا قلنا: إن هذا الخلق من أهم عوامل نجاح الإنسان في مجتمعه، ومن أدل الخلائق على رقة الإنسان وسمو منزلته ورفعة مستواه الاجتماعي.

والمسلم من هذا النمط الراقي من الناس الموفين بالعهد، بل هو أرقاهم على الإطلاق حين يكون مسلماً حقاً، لأن خلق الوفاء بالعهد من آصل الأخلاق الإسلامية، ومن أكثرها دلالة على صحة إيمان المسلم وحسن إسلامه، وقد جاءت بذلك الآيات والأحاديث الكثيرة، تحض على التحلي بهذا الخلق وتشير إلى أنه من علامات الإيمان، وتهدد المتحللين منه، وتؤكد أنه من علامات النفاق:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}المائدة: 1.

{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}الإسراء:34.

فليس العهد كلمة طائرة يلقيها صاحبها، ولا يفي بالتزاماتها كما يفعل كثير من المسلمين اليوم، وإنما هي مسؤولية سيناقش عليها الحساب.

{وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} النحل:91..

إنه عهد الله، أضيف اليه، فاكتسب الجلالة والقدسيَّة والاحترام، ووجب الوفاء به، مهما تكن الظروف:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} الصف:2.

فالإخلاف بالوعد، والتحلل من العهد، من المقت السيء الكبير الذي يكرهه الله لعباده المؤمنين، ولا يريد لهم أن يسفوا إليه، ولا يخفى ما في الاستفهام في صدر الآية من إنكار يخزى منه المؤمن الوفي، ويندى له جبينه حياء من ربه.

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) ([1]). وفي رواية لمسلم: (وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم).

إن حسن إسلام المرء لا تؤكّده العبادات التي يقوم بها من صيام وصلاة وحج فحسب، كما أسلفت، وإنما تؤكده نفسيَّة الإنسان التي انفعلت بتعاليم الإسلام، وارتشفت من رحيق هداه، حتى غدت تنضح بشذا أخلاقه العالية، وقيمه الرفيعة، وأحكامه السمحة، فتراها وقافة عند حدود الله، ملتزمة أمره، مجتنبة نهيه، منصاعة لهداه في كل شيء.

ومن هنا ينتفي من حياة المسلم الحق الصادق الكذب والإخلاف بالوعد وخيانة العهود والمواثيق، لأنها منافية لخلق الإسلام، ولا توجد إلا في أخلاق المنافقين.

ألا فليعلم تلك الحقيقة المرة كثير من التجار والصناع والموظفين، الذين يعدون الناس بإنجاز أعمالهم في وقت محدد، ثم يخلفون المواعيد، وليعلمها أولئك الذين يتعاهدون على أمر، ثم ينقضون ما تعاهدوا عليه، وكذلك الذين يؤتمنون على مال أو سر أو ورثة أو غير ذلك، ثم يخونون الأمانة. ليعلم هؤلاء جميعا أنهم في زمرة المنافقين، ولو صاموا وصلوا وزعموا أنهم مسلمون، وإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار.

الحلقة الثالثة هنـــا

 

([1]) متفق عليه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين