شخصية المسلم مع مجتمعه(3)

ناصح:

والمسلم الحق لا يبرأ من هذه الصفات الذميمة فحسب، بل يتحلى بالخلق الإيجابي البنّاء، خلق النصح الصادق لكل مسلم في مجتمعه، إيمانا منه بأن دينه هو النصيحة بعينها، كما قرر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الدين النصيحة)، قلنا: لمن؟ قال: (لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) ([1]).

وكان الصحابة الكرام يبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على الصلاة والزكاة والنصيحة لكل مسلم، يشهد لذلك قول جرير بن عبد الله رضي الله عنه: (بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم) ([2]).

إن في اقتران النصيحة بالصلاة والزكاة في بيعة هذا الصحابي الجليل لرسول الله صلى الله عليه وسلم لدليلا على أهميتها في ميزان أعمال المسلم، وخطورتها في تقرير مصيره في آخرته، ومن هنا كانت خليقة أصيلة من خلائق المسلم الصادق التقي، الحريص على حسن عاقبته يوم الحساب.

وتزداد خطورة النصيحة في تقرير مصير المسلم في آخرته حين يلي أمرا من أمور المسلمين، إنها حينئذ المفتاح الذي يلج به جنان الخلد، فإن لم يحز عليه في دنياه حرم عليه دخولها في آخرته وعقباه، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ما من عبد يسترعيه الله رعيته، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة) ([3]). وفي رواية: (فلم يحطها بنصحه لم يجد رائحة الجنة).

وفي رواية لمسلم: (ما من أمير يلي أموز المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح لهثم إلا لم يدخل معهم الجنة).

ألا ما أعظم مسؤوليَّة الحاكم في الإسلام، ومسؤوليَّة كل إنسان ولي أمرا من أمور المسلمين! وما أعظم أثر النصيحة للرعية في تقرير مصير الراعي، يوم يقوم الناس لرب العالمين. وإذا ما تمثلت لأبصارنا مسؤولية كل واحد منا في دائرته الاجتماعية التي بيَّنها الرسول الكريم بقوله: (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أدركنا شمول المسؤولية في مجتمع المسلمين، حتى ما يكاد يفلت من قبضتها إنسان، ومن هنا كان المجتمع الإسلامي الحق القائم على هذه المبادئ والقيم الربانية، أرقى المجتمعات البشرية وأكثرها أمنا ونظافة واستقامة.

الحلقة الثانية هـــنا

 

([1]) رواه مسلم.

([2])متفق عليه.

([3]) متفق عليه.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين