سينما الشياطين ملهمة المستبدين

 

حادثة الهجوم الإرهابي التي وقعت في باريس الأسبوع الماضي ذكرتني بفيلم فرنسي شاهدته قبل حوالي عشر سنوات من بطولة النجم الفرنسي الشهير ألان ديلون (alain delon) يدور الفيلم حول ظاهرة انتشار عصابات عنف قاتلة في مناطق من باريس ، وبالرغم من كل الإجراءات الأمنية أخفقت الشرطة في القضاء على تلك العصابات ، مما أوقع الشرطة في موقف حرج جدا تجاه المجتمع الذي ضاق ذرعا بأعمال هذه العصابات التي نشرت الرعب في كل مكان، لهذا جمع وزير الداخلية كبار مستشاريه الأمنيين للبحث عن طريقة تخلص المجتمع من أخطار هذه العصابات ، وقد طرحت حلول عديدة لكنها كانت دائما تصطدم بالقوانين وموقف الجهات القضائية التي تتحفظ على هذه الحلول حفاظاً على سلامة الأبرياء ، وعندئذ تتفتق عبقرية احد ضباط الشرطة عن فكرة شيطانية للقضاء على هذه العصابات ، تمثلت بتشكيل فرق إعدام من افراد الشرطة تتخفى بلباس مدني وتداهم الأماكن التي تظن فيها عناصر العصابات فكانت فرق الإعدام تهاجم هنا وهناك وتفتح النار على كل من تصادفه دون تمييز ، وفي اليوم التالي يخرج الناطق الرسمي باسم الشرطة مدعياً أن الحادثة مجرد تصفيات بين العصابات ولا دخل للشرطة فيها ، وهكذا كانت الشرطة تتهرب من المسؤولية امام القضاء وامام الرأي العام

هكذا قدم شياطين السينما فكرة مبدعة للأنظمة المستبدة التي وجدت في الفكرة مخرجاً عملياً في مواجهة المعارضين دون ان تتحمل هذه الأنظمة أية مسؤولية امام الرأي العام ،وامام القوانين الدولية التي تحرم قتل معارضي الرأي السلميين، ونظراً لقرب الجزائر من فرنسا والولاء للثقافة الفرنسية من قبل النخبة الحاكمة العلمانية الجزائرية   فلا غرابة ان يكون النظام الجزائري بزعامة (بوتفليقة) هو اول من اقتبس الفكرة خلال التسعينيات من القرن الماضي حين راح يجند فرق الإعدام من المخابرات والشرطة للقضاء على المعارضين الإسلاميين الذين باتوا يشكلون منافسا قوياً للنظام ، ثم اقتبس الفكرة بشار الأسد في سوريا فاستقدم خبراء أمن جزائريين لتطبيق الفكرة ضد المظاهرات السلمية التي خرجت تنادي بسقوط بشار ونظامه الدكتاتوري الفاسد ، ثم راح أعلام بشاريخرج مدعياً ان الذين يمارسون قتل المتظاهرين هم ارهابيون لا علاقة للنظام ولا للشرطة ولا المخابرات علاقة بها!!!

والظاهر ان هذه الفكرة الشيطانية عادت هذه الايام الى موطنها الأول ، أي الى فرنسا التي شهدت ? هجمات عنيفة  خلال الأيام القليلة الماضية في مواقع حساسة من باريس ، راح ضحيتها عدة مئات من الأبرياء حسب السلطات الفرنسية ( !!!؟) وألصقت التهمة  بأشخاص تدعي انتماءهم الى الحركات الإسلامية ، إمعاناً من فرنسا بإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام والإسلاميين وتحقيق أهداف أخرى أبعد مدى وأخطر من ذلك ، فبعد نزول القوات الروسية في الأراضي السورية رأت فرنسا وحلفاؤها البريطانيون والأمريكان أن الروس أتوا لبسط سيطرتهم على المنطقة وأن الوقت قد حان لقطع الطريق عليهم ، فعملت فرنسا على التهويل من تلك الحوادث العنيفة وحرصت على تضخيمها إعلامياً لتبرر مخططها الذي بدأت فصوله بتوجيه الأسطول الفرنسي نحو السواحل السورية بحجة المشاركة في  مواجهة الإرهابيين ، بينما الهدف الحقيقيمن ذلك - حسب كثير من المراقبين السياسيين - هو قطع الطريق على الروس، وقطع الطريق على الثوار السوريين وإنقاذ نظام بشار الأسد الذي اثبت ولاءه للغرب الذي تشكل فرنسا عنصراً مهماً فيه ، ومن وراء ذلك إسرائيل التي وجدت في نظام بشار ومن قبله والده خير حليف ؟!!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين