سياسة المرابطين الداخلية

أقام المرابطون في بلاد المغرب والأندلس دولة قوية، ارتبطوا فيها بالخلافة العباسية في بغداد؛ واتخذوا السواد شعارًا لهم، ونقشوا اسم الخليفة العباسي على نقودهم، واستطاعت هذه الدولة أن تحفظ لأهل المغرب دينهم، بعد أن ساستهم بكتاب الله تعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ولقد حمى يوسف بن تاشفين خاصَّة أصولَ أهل السنة والجماعة من التحريف، وذلك بتشجيعه العلماء والفقهاء على نشرها بين الناس، مستخدمًا في ذلك سلطانه، وصلاحياته الشرعية، وكان من أبرز علماء دولة المرابطين: ابن رشد الجد: (ت: 520 ه)، والقاضي أبو بكر بن العربي: (ت: 543 ه)، والقاضي عياض: (ت: 544 ه)، وغيرهم.

     كما عمل المرابطون على تشجيع سائر فنون المعرفة والعلم، وفنون القتال والحرب، التي تنهض بدولتهم الناشئة؛ فازدهر في عصرهم علم الطب والأدب، وغيرها من العلوم، وبرز فيها علماء كبار، كما ازدهرت الصناعة والزراعة في عصرهم؛ ازدهارًا يدحض أكذوبة المستشرقين، وتقولهم على المرابطين من أن عصرهم كان عصر انحطاط وتخلف.

     واستطاع المرابطون أن ينشروا العدل بين الناس، ويوفروا لهم الأمن والاستقرار، في حلهم وترحالهم، ويرفعوا عنهم المكوس والضرائب التي كانت عليهم، متَّبعين في ذلك نظامًا ماليًا، يقوم على قواعد الإسلام وسننه، في جمع الزكاة، وأخذ العشر والجزية من أهلها، وتخميس الغنائم؛ فأحبهم الناس لذلك، وقدموا لهم الطاعة والنصح.

     زالت دولة المرابطين على أيدي الموحدين، أتباع محمد بن تومرت، بعد أن مضت فيهم سنة الله، في زوال الدول والحضارات، وكان أبرز معالم تلك السنة؛ شيوع الترف والسرف فيهم، والدعة والركون إلى الدنيا، والتحجر الفكري عند علمائها المالكيين، وعجز الدولة عن توريث أفكارها ومناهجها وعقيدتها للجيل الذي بعدها، وسنة الله أنَّ لكلِّ دولة أجلًا محدودًا. [ينظر: حركات، إبراهيم حركات، المغرب عبر التاريخ (الدار البيضاء: دار الرشاد الحديثة، د. ط، 1420/200) ص: 169].


جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين