سورية وغزة، في يوم الفرقان



يومٌ فاصلٌ في تاريخ الإنسانية، بَرَزَت مِن خلاله قِيَمُ الحَقّ، وتَجَلَّت مِن بين ثناياه كرامة الإنسان، وهذا هو يوم بدر، الذي سمّاهُ الله تبارك وتعالى يوم الفرقان، (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير) [الأنفال: 41]. 
يوم الفرقان: أي اليوم الذي يفرق بين الحق والباطل، وهو يومٌ مِن شهرٍ أطلقَ الله تعالى عليه [شهر القرآن وشهر الفرقان]، (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) [البقرة: 185]، (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) [الفرقان: 1].

إن رمضان هو شهر القرآن وشهر الفرقان، ويومُ بدر يوم الفرقان، وإن الغاية المطلوبة من شهر الصيام فرقانٌ أيضًا، لأن الله تبارك وتعالى قال: (ياأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) [البقرة: 183]. والتقوى [فرقانٌ] في لغة القرآن، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) [الأنفال: 29].
إذن؛ القرآن فرقان، ورمضان فرقان، ويوم بدر فرقان، والتقوى فرقان.
ذلكم الفرقان الذي يميز الله تعالى فيه الخبيث من الطيب، ويكرس من خلاله القيم السامية، والأخلاق النبيلة، والمطالب الرفيعة، التي تحفظ على الإنسانية طهرها، وتحميها من توغل الفراعنة الأشرار، وتصونُها من توحش الطغاة الفجار.

إن من الحكمة الإلهية أن يوافق يومُ الفرقان يومُ بدر في السابع عشر من رمضان، اليومَ الذي شاء الله تعالى أن يُنزّل فيه أول آية من القرآن، عبر أمين الوحي جبريل عليه السلام في غار حراء، (اقرأ باسم ربك الذي خلق) [العلق: 1]، موافقةٌ قدَريَّة، تدعو للتأمل، حيث إن الفترة الزمنية بين الحدثين خمسة عشر عامًا، وذلك منذ أول آية أنزلت (اقرأ) وحتى أول نصر حققه الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، (ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون) [آل عمران: 123].

فسنة التدرج تتوضح معالمها في هذا المقام، داعيةً إلى قيمة الصبر والمصابرة، ورمضان كما وصفه النبي هو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة.
إن يوم الفرقان يَزدان بمفاهيمه المشرقة، وقِيَمِهِ المغدقة، التي تُوطِّدُ عزيمة المؤمن، باعثةً فيه روح السكينة، مُسربِلَةً إياه بنعمة الطمأنينة، وذلكم عبر استِرواحه نسمات الصبر والمصابرة، (ياأيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) [آل عمران: 200].
كما أنها تؤكد حقيقةً لا تتزعزع، وهي أن راية الحق ثابتة خفاقة، وراية الباطل مهزوزة مهزومة، (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 18]. 

رسالةٌ بدْريَّةٌ فرقانية قرآنية تثبت القلوب، وتنير الدروب، وتزأر بالحرائر والأحرار في بلاد الشام في سورية وغزة لا تيأسوا من روح الله، وتذكَّروا: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) ، فيوم الفرقان قادمٌ إن شاء الله، يومٌ تُدَكُّ فيه صروح الباطل الغاشمة، وتعلو فيه كلمة الحق المدوية، حينئذ تُستَرَدُّ الحرية المسلوبة، وتُستَعَاد الكرامة المنهوبة، ورحم الله أمير الشعراء أحمد شوقي حين غرَّد بدمشق:

 


سَــــــــلامٌ مِن صَبـا بَرَدى أَرَقُّ 
                               وَدَمعٌ لا يُكَـــفكَــــفُ يـا دِمَشقُ 

وَبي مِمّا رَمَتــــكِ بِــــهِ اللَيالي 


                               جِراحاتٌ لَها فـــي القَلبِ عُمقُ

وَلِلأَوطــــانِ في دَمِ كُلِّ حُــــــرٍّ 


                               يَـــدٌ سَلَــفَت وَدَينٌ مُســـتَحِقُّ

وَلِلــــحُـــرِّيَّةِ الحَــــــمـراءِ بـــابٌ 


                               بِـــــكُــــلِّ يَــــدٍ مُضَــــرَّجَةٍ يُدَقُّ 

جَزاكُمْ ذو الجَلالِ بَني دِمَشقٍ 


                               وَعِــــــزُّ الشَـرقِ أَوَّلُهُ دِمَــشقُ

 

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين