سورية، ثورة ليست كغيرها..‎

 

يُجمع القاصي والدّاني ممّن يتابع الشأن السّوري أنّ الحدثَ جللٌ جلل، وأنّه غير مسبوق في تاريخ الأزمنة المتأخّرة، وأنّه أسوأ كارثة إنسانيّة حلّت على البشريّة منذ الحرب العالميّة الثّانية...بل وأزيد لا مزايداً، بأنّه وبمقاييس عدّة، أسوأ ممّا شهدته البشريّة في الحرب العالميّة الثّانية لعدّة اعتبارات منها:

 

?-أنّ دكتاتور ألمانيا، على جنونه وإجرامه، لم يتقصّد ابتداءً الشّروع في قتل شعبه بطريقة تلامس الإبادة الجماعيّة كما يقوم بها سفّاح سورية اليوم ومن قبله أبوه..

 

?-لم يسبق أن دمّر حاكم مدن بلاده بحجرها وحديدها وأبنيتها فوق رؤوس مواطنيه العزّل الأبرياء بعشوائيّةٍ مجنونة وبلا أدنى رحمة كما فعل وما زال سفّاح سورية، ببراميل الموت والصّواريخ الفتّاكة وأسلحة الدّمار الشّامل، الغازات السّامّة منها والكيميائيّة، حاصداً أنفاس وأرواح النّساء والأطفال والشّيوخ بالملايين بين قتيلٍ وجريحٍ ومفقودٍ ومهجّرٍ ومشرّدٍ وسجينٍ يرى في الموتِ رحمة وخلاص.. 

نظام أقرب منه بمكوّناته إلى صنف من المخلوقات الّتي لا تعرف للرّحمة معنى ولا للإنسانيّة مبنى.. 

 

?-إنّ الكيد ومكر اللّيل والنّهار الّذي تواجهه شعوب وأحرار هذه البقعة من العالم تجسّدَ بتحالف أمميّ غير مسبوق إجتمع لمهمّة قذرة بالوكالة، مهمّة لم تشهد لها البشريّة ببشاعتها ووحشيّتها مثيل، و"الكلّ" فيه يشتري الوقت استكمالاً لدوره في جريمة إبادةٍ جماعيّةٍ تهدف إلى تغيير المكوّن السّكاني والطّائفي بشكل جذري، ووصولاً لتجزئة وتفتيت ما تبقّى من هذه البلاد إلى دويلات متخاصمة متناحرة...

وكذا في السّياق نفسه، فإنّ المفاوضات تشكّل جزءاً لا يتجزّء من المسرحيّة، يعرف الأعداء قبل الأصدقاء أنّها بلا أدنى قيمة ولا فائدة، لا يُرجى منها أيّة حلول حقيقيّة، لأنّهم وبكلّ بساطة لا يريدون حلّاً ولا يسعوْن له، حتّى ولو أبقى عصابة المجرمين في السلطة...لأنّ المشروع الصّهيوني الكبير بأدواته الإجراميّة من نظام وداعميه من شذّاذ الآفاق، لم يستكمل فصوله بعد...ببساطة مرعبة!

 

بناءً على ما تقدّم، لا بدّ بعد ما يزيد على السّنوات الخمس من مشاركة -ولا أقول مشاهدة- ما يُسمّى بالعالم الحرّ بمأساة العصر، لا بدّ من وقفة تحليليّة في العمق لوضع بعض النّقاط على حروفها، من منطلق وعلى قاعدة أنّ الوعي يشكّل بدايةً أيّ حلّ جادّ وواقعي لأيّ مشكلة أو أزمة مهما بلغ شأنها وحجمها، خصوصاً إن بلغت بعمقها ومفاعيلها بعداً إنسانيّاً أمميّاً وحضاريّاً وجوديّاً..كما في سورية!

 

إذاً، وبالإشارة مرّة أخرى أنّ الكثير من القرائن والأدلّة، تؤكّد أنّ هذا النّظام ومن وراءه من داعمين من تحالف إقليمي ودولي ظاهر وخفيّ، يتبع سياسة الأرض المحروقة وفق مخطّط مدروس يعتمد على إطالة زمن الصّراع لتفريغ سورية من مكوّنها الرّئيسي، وبعبارة أخرى ينفّذ سياسة إبادةٍ جماعيّةٍ منهجيّةٍ وفق خارطة طريق تعتمد مراحل المدّ والجزر والنّفس الطويل اللّازم للوصول للهدف المخطّط له والمنشود..

 

..يبقى، وهنا بيت القصيد، أنّ الرّقم الصّعب والأمل الوحيد بعد الإعتماد الصّادق على الله عزّ وجلّ لمواجهة هذه المؤامرة اللّئيمة من قوى الشّر العالميّة الّتي تتوزّع الأدوار في أداء هذه المسرحيّة الشّيطانيّة النّتنة، يكمن في وعي الثّوّار والأحرار من حولهم لحقيقة ما يجري، ثمّ في سواعدهم وإعدادِهِم بما يستطيعوا له ويقدروا عليه من قوّة الأخذ بالأسباب، موَحَّدين أو متكاملين ضمن مشروع تحرّري جادّ، نهائيٌّ بمبادئه وتطلّعاته، مرنٌ بمراحله وتطبيقاته..

 

وعليه، وحيث أنّ الصّراع بحجمه أمميّ بعمق التّغيير المتوقّع لمآلاته على المنطقة بل العالم أجمع، والّذي سيعيد ترتيب الكثير من الأوراق  والحسابات الإستراتيجيّة، وحيث أنّه قد يطول لسنوات طوال بل ربّما لعقود، فلا بدّ ممّن يتصدّى لهذه المؤامرة من وضع استراتيجيّة شموليّة واقعيّة عمليّة قابلة للتّطبيق، ترتقي لمستوى التّحدّي الّذي فُرِضَ عليها، وتوازي بل تتخطّى بأبعادها وعمقها المكر المحيط بها من كلّ جانب..

 

..منها وعلى سبيل المثال لا الحصر بناء وتربية وصياغة أجيال مخيمات الدّاخل والشّتات، لضخّ الطّاقات النّوعيّة وتعويض الأرواح الطّاهرة الّتي يبذلها خيرة شباب الأرض اليوم في الدّفاع عن دينهم وأرضهم وأعراضهم ولنيل حرّيتهم وصون كرامتهم وحقوقهم المشروعة..

 

{ولينصُرَنّ اللهُ من ينصُرُه إنّ اللهَ لقويٌّ عزيز}

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين