سوريا تنزف بين ذوي القربى والتآمر الدولي

ما يحدث في سوريا جريمة بشرية بشعة مكتملة الأركان، لا يمكن لأي إنسان عاقل أن يستوعب ما يجري فيها من انتهاكات يومية وعلى مدار الساعة، مئات الآلاف من القتلى وعشرات الألوف من المصابين، وهدم للبيوت والمساجد، وتدمير البنية التحتية للدولة، وملايين مهجّرين ولاجئين، ولا يوجد حراك عربي أو إسلامي مناسب، بل نجد في بعض الأحيان تواطؤًا مع من يريدون تدمير سوريا من أجل مصالحهم، وخدمة لإسرائيل، وتفتيت المنطقة. فأرقام القتلى والمهجّرين واللاجئين تماثل ما كان يحدث في الحربين العالمية الأولى والثانية. وعلى الجانب الآخر نرى الجهود الدولية المتمثلة في الأمم المتحدة ليس لها أي أثر لصالح السوريين، بل نجد أن "ستيفان دي مستورا" مبعوث الأمم المتحدة يذهب أخيرًا إلى فكرة الفيدرالية، أو بمعنى آخر تقسيم سوريا.

والأسئلة التي تتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى:

لماذا سوريا بالذات الذي يحدث فيها كل هذا الإجرام والتواطؤ؟

ولماذا لا تتحرك الدول العربية والإسلامية لإنقاذ سوريا والسوريين؟

ولماذا هذا الخذلان الإقليمي والدولي؟

أين منظمات حقوق الإنسان والمجتمع المدني العربية والدولية من الانتهاكات اليومية؟

أين منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية؟ أين أين أين..؟

أقول هناك عدة مسائل يجب الانتباه إليها:

الأولى: في العام 1965 نشر الصحفي الشهير باتريك سيل كتابًا مهمًا بعنوان "سوريا – كفاح نحو القمة". وكانت الفرضية المركزية فيه تقول: إن من يريد أن يكتسب مكانة سائدة في الشرق الأوسط، يجب أن يسيطر على سوريا أو يتمتع بصداقتها. والسبب الأساسي لأهمية سوريا في المنظومة الإقليمية ينبع، برأيه من موقعها الجغرافي – الاستراتيجي في قلب الشرق الأوسط. لذا يجب ألّا يغيب عنّا ما تفعله إيران وروسيا من محاولة الهيمنة والسيطرة على مجريات الأحداث في سوريا.

الثانية: الموقف العربي متخاذل في إطاره العام، باستثناء بعض التحركات من السعودية وقطر، وتركيا على المستوى الإقليمي، وذلك نتيجة للضعف الذي أصاب المنطقة العربية في مجملها، وكان سببًا جوهريًا في تجرّؤ الآخرين على المنطقة برمتها، وبذْل كل الجهود لإضعافها، وإتاحة الفرصة للمستبدين للسطو على مقدرات الشعوب وإمكاناتها، ومن ثمّ إغراقها في التدهور الاقتصادي، والتخلف العلمي، وعدم مواكبة الدول المتقدمة، حتى تكون في حاجة دائمة لهم.

الثالثة: لا يمكن قبول الحجج والأعذار، التي تمنع العديد من الأطراف الدولية الفاعلة عن القيام بدور أكثر حسمًا في سوريا. فلا يوجد أي سبب على الإطلاق يبرر التقاعس في مواجهة تلك الفظائع والجرائم التي يرتكبها هذا النظام الفاشي ضد شعبه. فهؤلاء لم يسمحوا باستمرار المذابح المتواصلة للمدنيين فحسب، بل ساقوا المنطقة بأسرها إلى حافة الهاوية.

الرابعة: المعادلة الدولية في هذا الصراع لا يمكن تغييرها بالكلام والأخلاق والقانون واستشحاذ النخوات والقرابات، أو من خلال وعود كاذبة، فيدرك الجميع أن الذي يطلق تلك الوعود لا يملك قوة للحفاظ عليها. المعضلة الأساسية لأي طرف سوري حتى لو تخيّل أنه يملك تأثيرًا على المقاتلين بسوريا، هي أن لا وجود لسيطرة سورية على السلاح، فمن يسيطر على المقاتل هو من يورِّد له السلاح وليس صاحب اللسان الجزل البليغ.

الخامسة: لقد تحولت القضية السورية خلال السنوات الخمس الماضية من ثورة شعب من أجل الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، والكرامة الإنسانية، إلى ساحة صراع إقليمي، ومجال تدخلات دولية. ولم يكن هناك مفر في النهاية، من تداخل المحلي بالإقليمي، وارتباط كليهما بالبُعد الدولي، بل إن الدولي أصبح العامل الأكثر أثرًا في مجريات الأزمة منذ بدأ التدخل العسكري الروسي في نهاية سبتمبر 2015. ولم يكن ممكنًا، بالتالي، أن يبرز الحل السياسي للأزمة خيارًا جادًّا، وأن تبدأ الاستعدادات لعقد مباحثات جنيف، لولا التفاهم الأمريكي-الروسي في لقاءي فيينا نهاية 2015.

من الواضح أن الشعب السوري أدرك في النهاية، أنه لا خيار لديه لإنجاح ثورته، وللتخلص من التسلط والإذلال الذي يعاني منه، سوى حمل السلاح ضد هذا النظام المتسلِّط، المدعوم من إيران وروسيا، وتواطؤ المجتمع الدولي، وهذا للأسف يدخل المنطقة في أتون حرب مستعرة تدمِّر الجميع، لذلك عليه عدم الانتظار كثيرًا لأي دعم أممي أو عربي، فمن يملك القدرة على تسليحهم لا يريد ذلك، ومن يريد لا يملك القدرة! لك الله يا سوريا.

المصدر: صحيفة بوابة الشرق

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين