سوريا بعيون البحر

 

العــرب قوم ذوو إباء :

(وكُنَّا إذَا الجبَّارُ صعَّرَ خدَّهُ ... أقمْنا لهُ منْ ميْلِهِ فتقَوَّما)

(فلَوْ غيْرُ أخْوالي أَرَادوا نقيصَتي ... جعَلْتُ لهُمْ فُوْقَ العرَانينِ مِيسَمَا)

(وَمَا كنْتُ إلَّا مثْلَ قاطعِ كفِّهِ ... بكفٍّ لَهُ أُخْرَى فَأصْبح أجذما)

 

 العرب كانوا يكرمون الضيــف، وقال مضرس بن ربعي :

وإني لأدعو الضيف بالضوء بعدما ... كسا الأرض نضاح الجليد وجامده

لأكرمه إن الكرامة حقه ... ومثلان عندي قربه وتباعده

 ويوفون بالعهود والمواثيق، وفي ذلك يقول الحادرة (قطبة بن محصن) :

أَسُمَيَّ ويحكِ هل سمعتِ بغَدْرةٍ ... رُفع اللواءُ لنا بها في مجمعِ

إنا نَعْفُّ فلا نُريبُ حليفَنا ... ونَكُفُّ شُحَّ نفوسِنا في المطمعِ

 ويتنزه العرب  عن الكذب.، قال الشاعر:

لا يكذبُ المرءُ إِلا من مهانتِه أو عادةِ السوءِ أو من قلةِ الأدبِ

لَبعضُ جيفةِ كلبٍ خيرُ رائحةٍ من كذبةِ المرءِ في جدٍّ وفي لعبِ 

ويتباهون بعزة جارهم وهذا كناية عن عزتهم :

تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا.... فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ

وَما قَلَّ مَن كانَت بَقاياهُ مِثلَنا.....شَبابٌ تَسامى لِلعُلى وَكُهولُ

وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا.... عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ

ويعظمون العرض ،وشأنه عندهم عظيم :

إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ

والعفيفات السوريات دنس عرضهن البر والبحر والجو وعواصم العرب ترفل في نعمائها والقادة العرب ضحكاتهم تملأ ردهات الفنادق ذات النجوم الخمس

وكنا يوما إذا نابت شعوب العرب النوائب أول من يستقبلهم ، وأول من يساعدهم ، وأول من يحدث  الأعلام في قضيتهم،

وأول من يستحث طلابنا لمد يد العون لهم، من أجل أن نربي أولادنا على قيم: 

بلادُ العُربِ أوطاني منَ الشّـامِ لبغدان

ومن نجدٍ إلى يَمَـنٍ إلى مِصـرَ فتطوانِ

فلا حدٌّ يباعدُنا ولا دينٌ يفرّقنا لسان الضَّادِ يجمعُنا بغسَّانٍ وعدنان

أما العهد فله النفس والنفيس دونه ، بــل ويقيمون الحــروب لأجله إذا أعطــوه  لأحد  أو قبلوا اســتجارته؛ كما فعل هانئ بن قبيصة الشــيباني عندمــا أجار النعمان بن المنذر وأهلــه وودائعه، فكان يوم ذي قار :

يوم ذي قار هو يوم من أيام العرب في الجاهلية. هو أول يوم انتصر فيه العرب على الفرس. وذكر الأصفهاني في كتابه الأغاني أنه حدث في زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، وقع فيه القتال بين العرب والفرس في العراق وانتصر فيه العرب. وكان سببه أن كسرى أبرويز غضب على النعمان بن المنذر ملك الحيرة، وقد أوغر صدره عليه زيد بن عدي العباديّ لأنه قتل أباه عدي بن زيد، فلجأ النعمان إلى هانئ بن مسعود الشيباني فاستودعه أهله وماله وسلاحه، ثم عاد فاستسلم لكسرى، فسجنه ثم قتله. وأرسل كسرى إلى هانئ بن مسعود يطلب إليه تسليمه وديعة النعمان، فأبى هانئ دفعها إليه دفعاً للمذمة، فغضب كسرى على بني شيبان وعزم على استئصالهم، فجهّز لذلك جيشاً ضخماً من الأساورة الفرس يقودهم الهامرز و جلابزين ، ومن قبائل العرب الموالية له، من تغلب والنمر بن قاسط وقضاعة وإياد، وولى قيادة هذه القبائل إياس بن قبيصة الطائي، وبعث معهم كتيبتيه الشهباء والدوسر. فلما بلغ النبأ بني شيبان استجاروا بقبائل بكر بن وائل، فوافتهم طوائف منهم، واستشاروا في أمرهم حنظلة بن سيّار العجلي، واستقر رأيهم على البروز إلى بطحاء ذي قار، وهو ماء لبكر بن وائل قريب من موضع الكوفة.

كانت حرب عظيمة وسالت فيها دماء كثيرات عن الرجــل الذي دخل فــي جوارهم حتــى غلبوا الفرس.وقد وثــق أحد شــعراء الجاهلية حق المســتجير والتزام العرب بحمايته والدفاع عنه ،  قال ابن هرمة : 

 

إني إذا الجار لم تحفظ محارمه     ولم يقبل دونه هيد ولا هاد

لا أخذل الجار بل أحمي مباءته     وليس جاري كعس بين أعواد

جاء الإســلام ووثق هذا المبــدأ الأخلاقي العظيم، فقد أجار النبي صلى ا? عليه وســلم من استجار بامرأة من نســاء المســلمين، 

عن ابن عباس ، قال : حدثتني أم هانئ بنت أبي طالب ، أنها أجارت رجلا من المشركين يوم الفتح ، وأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له ، فقال : أجرنا من أجرت ، وأمنا من أمنت .

 وهو رجل من المســتضعفين الفارين من البطش ، وويلات الطرفين المتحاربين ، وهو من الكفار؟ فإن الأمــر عند ? عظيــم، فكيف بالمسلمين وخذلانهــم والتخلي عنهم فهو عند الله  أعظم.، فأيــن العرب اليــوم من هانئ بــن قبيصة الشــيباني، وأيــن هــم اليوم مــن أم هانــئ، وأين هم مــن أخلاق ا مئات وربمــا ألوف من أجدادهم العظام، ونحــن نرى يوميا الســوريين والعراقيين ومن باقي بلدان المسلمين ألوفا مؤلفة تنتهي مصائرها طعاما للأســماك فــي البحار في رحلة البحث عن جوار آمن فلم يجدوا إلا جوار  البحار و المحيطــات المتلاطمة بأمواج الموت الزؤام ، هاربين مــن أوطانهم، تاركين أموالهم وبيوتهم وذكرياتهم وأملاكهم ومواطن  طفولتهم وذكرياتها، يستقلون قوارب الموت في أمل النجاة إلى بر الأمان .

و ممــا ينافــي مبادئ الإســلام، وأخلاق العــرب، وقيم الحضارة والإنسانية، أن تغلق الدول العربية أبوابها في وجوه الفارين من جحيــم الحروب المفروضة عليهم في ديارهم، ويمنعوا أبناء عمومتهم وقبائلهم من إيوائهم والتخفيــف عنهم، بما لهم من حق عليهم في الإســلام والعروبة والقرابة والجيرة .قصــص تشــيب لهــا الولدان لمــا حل بهذه الشــعوب المقهورة من كوارث ومصائب ولم يكن لهم من ذنب إلا أن قالوا لظالم ، أو مستبد ، أو دكتاتور رويدك رفقا بنا فقد طفح الكيل، ولجهلنا في السياسة ظننا أننا نسقطه بالسلمية ، فحصد منا المئين من زهرات أبنائنا ، ثم تبين لنا بعد كل المحاولات أن دون إسقاطه إسقاط خمس امبراطوريات تملك حق الفيتو في مجلس يسمى مجازا مجلس الأمن ، ومن وراء تلك الإمبراطوريات ممالك وجمهوريات عتيدات في التفنن في الظلم والقهر ، كل ذلك وغيره  جعلهم يفرون في رحلة المــوت المساوي للحياة  إلــى أرض غير أرضهــم، وأقوام غيــر أقوامهم، وديانات غير ديانتهم ، فأرض فيها كثير من المعاصي ، خبر من أرض فيها قليل من البراميل ، هكذا قدروا وهكذا ظنوا ولكن لقصصهم لسان آخر ورأي ثان

فهل ضاقت أرض العرب عن السوريين وهي التي وسعتهم أجمعين دون فيزا ، ودون إقامة ،ودون كفيل ، مكرمين يدخلون مطاراتها من مدخل كتب عليه : مدخل الأشقاء العرب.

 

يقول الشاعر عمر أبو ريشة :

أمتي هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم

أتلقاك وطرفي  مطرق خجلا من أمسك المنصرم

 

هل خشوا مشاركتهم في الطعام ، ألم يكن جدنا المشترك حاتم الطائي يقول :

أيا ابنة عبد الله، وابنة مالكٍ،....وبا ابنة  ذي البُرْدينِ والفرَسِ الوردِ

إذا ما صنعت الزاد، فالتمسي لهُ ....أكيلاً، فإني لست آكلهُ وحدي

أخا طارقاً، أو جار بيتٍ، فإنني....أخافُ مَذَمّاتِ الأحاديثِ من بعدي

وإنّي لعَبْدُ الضّيفِ، ما دام ثاوياً ....وما فيّ، إلاّ تلكَ،من شيمة العَبدِ

اللهم إليك الشكوى فيما حل بنا من البلوى 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين