سقى الله أيام الحج

سقى الله أيام الحج، وحباها من الوابل الصيّب والغيث الهتون، والرحمات المزجاة بما يجدر من كرمه جل شأنه.

سقى الله أيام الحج فهي بالنسبة للمؤمن ربيع العمر، وروضة الحياة، وهي أثمن الأيام في رحلة الحياة. هي للمؤمن كالورد في أوج تفتحه، وكالماء في عنفوان جريانه، وكالروضة المعطاء في أوج عطرها واخضرارها وتألقها.

إنها ذكريات الإيمان والحنان، عاشها المؤمن فوق أطهر أرض في الدنيا، وفي أقدس أيام العالم، وفي مكة المكرمة يلتقي فضل الزمان بفضل المكان، ليزيد شرفاً على كل زمان، وعلى كل مكان. فإذا أضفت إلى هذين نبل مقاصد القادمين، وسامي اهتمامهم وعظيم أملهم، وصحة معتقدهم، وصفاء سريرتهم، وتجنبهم كل ما يؤذي، وحرصهم على كل خير، استطعت أن تسبر بعض الشيء عظمة الحج الذي أكرم الله عز وجل به أمة الإسلام والمسلمين.

لا غرابة إذن أن يظل المؤمن في حنين جياش لأيامه في الحج، ولا غرابة أن يظل يرنو إلى العودة إليه المرة بعد المرة، والكرّة بعد الكرّة، وإذا كانت الطيور تسمو بفطرتها دائماً إلى الطيران، فإن قلوب المؤمنين تهفو دائماً إلى الحج وتتطلع وتشتاق:

أشواقُنا نحوَ الحجاز تطلّعتْ ** كحنينِ مغتربٍ إلى الأوطان

إن الطيورَ وإنْ قصصتَ جناحَها ** تهفو بفطرتها إلى الطيران

فليس غريباً أن تتقد عواطف المؤمنين كلما حلَّ موسم الحج، وطفق الناس يتلون قول الله عز وجل: {وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (الحج:27)، ولا غرابة أن تشهد قوافل المؤمنين تزحف نحو بيت الله عز وجل تغسل الذنوب، وتمحو الآثام، وتعزم على طاعة الله جل شأنه. وإنه لطيب مبارك بهيج أن تشهد هذه القوافل المباركة تزداد عاماً بعد عام، لتثبت للناس جميعاً أن لهذا الدين من يحبه ويمنحه ولاءه، ولتزرع في القلوب أن لهذا الدين بإذن الله يوماً يعلو فيه ويغلب ويسود.

والحج هو مؤتمر المسلمين الجامع، الذي يتلاقون فيه متجردين من كل الروابط سوى رابطة الإسلام، متجردين من كل ولاء إلا الولاء لهذا الدين، متحررين من الأواصر الهزيلة التي تجمع أقواماً على عصبية لنسب أو لون أو لغة أو إقليم.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين