سقوط حلب: الواقع والمستقبل

انتصار النظام في حلب هو بالأولوية انتصار "نفسي مصطنع"، فالقوات السورية منذ سنوات لم تحرز انتصارا حقيقيا في الأرض وعلى الواقع، وقد خسرت لوحدها المعركة، فاستنجدت بقوات حزب الله، ثم بمستشارين للجيش العسكري الإيراني، ثم بالقوات الإيرانية الخاصة، ثم بالحشود الشعبية العراقية والأفغانية، وفي كل ذلك لم تحرز انتصارا حقيقيا، حتى اضطرت لاستقدام الجيش الروسي لنصرتها، ومنذ نحو سنة والروس يدكون الأرض من دون أي تقدم يذكر، سوى قتل المدنيين والعزل...

 

إن دخول حلب وإسقاطها؛ دفع القوات السورية وحلفاءها إلى أن يجمعوا سائر الجيش والمقاتلين في حلب، وخسران آلاف القتلى من أجل اقتحامها، وما من شك أن الانتصار - الصوري - في حلب، تم عن طريق مفاوضات وضغوطات سرية على تركيا والسعودية من أجل الدفع بالقوات المقاومة المنتمية لها للانسحاب المفاجيء من مدينة حلب، ما جعل المواطنين وجها لوجه أمام الميليشيات والجيش السوري، ليتم الانهيار المفاجيء في خطوط الدفاع...

 

كان يمكن للمقاومين السوريين إن كانت لهم نية حقيقية في المقاومة أن يشعلوا جبهات مهمة أخرى، ولا شك أنهم لو أشعلوها ما كان للقوات السورية الرسمية أن تقتحم مدينة حلب، بل لحققوا انتصارات مهولة في تلك المناطق؛ أخص منها: مدينة دمشق بالخصوص المحاطة بكتائب المقاومة، والتي كان بمكنها اقتحام المدينة في أي وقت، وكذا درعا واللاذقية، ولكن لم تكن إرادة للقوات المقاتلة أن تفعل ذلك...

 

إن ما حدث في مدينة حلب؛ يجعل المقاومة السورية أمام خيار لا ثاني له؛ وهو: أن تتوحد فيما بينها، إما بقيادة واحدة أو تنسيقية واحدة، وأن تعمل على خطة شاملة بعيدة عن الارتزاق للجهات الداعمة اقتصاديا أو إديولوجيا أو استراتيجيا أو عسكريا، وإلا لن تعدو أن تكون ميليشيات مرتزقة، تعمل كأوراق ضغط لتلك الجهات من أجل تمرير أجندات لا علاقة لها بالواقع السوري...

 

الخريطة العسكرية في سوريا يمكن أن تتغير في لمح البصر؛ فالحكومة السورية وحلفاؤها يفتقرون للحاضنة والزخم الشعبي، وبذلك يفتقدون العمق الاستراتيجي، وأي قوة توجد؛ إنما هي استعمال للعنف المفرط من أجل قتل أكبر عدد من المدنيين للضغط على المقاتلين...وما من شك أن تشتيت الجهد القتالي للمقاومة في الأرياف والمدن الصغيرة لن تجني منه إلا إطالة عمر النظام، وتكثير عدد القتلى والضحايا...

 

إن أي استراتيجية مجدية للمقاومة في سوريا، يجب أن تبنى على إسقاط النظام، بمعنى أن المعركة الحاسمة يجب أن تكون في دمشق وليس في أي محل آخر، ويجب أن تكون في وقت قياسي، لأن الوقت ليس في صالح المقاومة بمقدار ما هو في صالح الحلفاء، كما أن إسقاط العاصمة من شأنه تشتيت قوات النظام إلى فلول يسهل القضاء عليها، ويضعف السلطة المركزية أمام حلفائها، الذين ما من شك سيحاولون التعامل مع النظام الجديد...

 

أكبر مشكل في القضية السورية هم السوريون أنفسهم، فهم غير مستعدين للتعاون فيما بينهم، ولا التوحد، ولا اختيار قيادة مشتركة، بل يلاحظ بأن النخبة السورية بعيدة كل البعد عن الواقع السوري، وجلها متربصة تنتظر جني ثمار المعركة، فنحو نصف سكان سوريا فر منها، وجلهم مشرئبون للهروب لأوروبا لينعموا بخيراتها، غير مكترثين بإصلاح واقع بلادهم، وهذه ظاهرة غير صحية البتة، فأي حل للقضية السورية خارج القرار السوري نفسه، لن يكون مجديا أولا، ولا في صالح سوريا وأهلها ثانيا....

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين