سبل وقاية الأمة من عقوبة الظلم

إذا كان الظلم سبباً في هلاك الأمة ، فمن الواجب شرعاً الإنكار على الظالم ومنعه من الظلم ، وعدم الاستكانة له ولا الركون إليه ، وبهذا تنجو الأمة مما قد يحل بها من عقاب أو هلاك بسبب الظلم الواقع فيها .
وإليكم سبل الوقاية من الظلم وعقابه :
 
أولاً : الإنكار على الظالم :
 أخرج الترمذي في جامعه عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال : " يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾ [ المائدة : 105] ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الناس إذا رأوا ظالماً فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يعمهم بعقاب من عنده ".
 وجاء في شرحه : أي إذا لم يمنعوه عن ظلمه مع القدرة على منعه أن يعمهم الله بعقاب منه أي بنوع من العذاب .
 ومن الواضح أن الظالم الواجب منعه من الظلم والإنكار عليه يشمل الحاكم وغيره من الظلمة ، كما ان العذاب أو العقاب الذي يعمهم قد يكون به هلاك الأمة ، وقد يكون بما دون ذلك .
 
ثانياً : عدم الإستكانة للظالم :
 رفض الظلم وعدم الإستكانة للظالم والانتصار منه ، كل ذلك مما يجب أن يتربى عليه الفرد المسلم لانه شيءٌ ضروري لتكوين شخصيته الإسلامية ومن مقوماتها الأساسية ومن الصفات الأصلية للمسلم قال تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾ [ الشورى : 39] . وانتصارهم هو أن يقتصروا على ما جعله الله لهم ولا يعتدوا ، وهم محمودون على الانتصار لأن من أخذ حقه غير متعدّ حدّ الله وما امر به فلم يسرف في القتل إن كان ولي دم أو رد على سفيه محاماة عن عرضه وردعاً له فهو مطيع ، وكل مطيع فهو محمود .
   وفي تفسير القرطبي في هذه الآية : أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه .
 وفي صحيح البخاري ؛ قال إبراهيم النخعي كانوا – أي الصحابة – يكرهون أن يُستذلوا ، فإذا قدروا عفوا .
 
ثالثاً : عدم الركون إلى الذين ظلموا :
 ومن سبل الوقاية من وقوع الظلم أو شيوعه وانتشاره وما يترتب على ذلك من العقاب أو الهلاك بالأمة ، عدم الركون إلى الذين ظلموا بأي نوع من أنواع الركون إليهم حتى يعجزوا أو يضعفوا عن ارتكاب الظلم لا سيما الحكام الظلمة ، لأنهم لا يرتكبون المظالم إلا بأعوانهم وبسكوت أهل الحق عنهم أو بركونهم إليهم . قال تعالى محذراً من الركون إلى الذين ظلموا :﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [ هود : 113 ] . قال الزمخشري في تفسيرها : ولا تركنوا ، من أركنه إذا أماله . والنهي متناول للانحطاط في هواهم ، والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم ، والتشبه بهم في والتزيي بزيهم ومدّ العين إلى زهرتهم ، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم . وتامل قوله تعالى : " ولا تركنوا " فإن الركون هو الميل اليسير . وقوله تعالى : " إلى الذين ظلموا " أي إلى الذين وجد منهم الظلم ، ولم يقل إلى الظالمين .
 
 رابعاً : لا يعان الظالم على ظلمه :
    أعوان الظالم ظلمة مثله ، فلا يجوز إعانة الظالم . لأنه إذا كان الركون بجميع أشكاله وأنواعه لا يجوز ، فما يكون فيه إعانة فعلية للظالم ، أولى أن لا يجوز . والواقع ان الحاكم الظالم إنما يتمكن من ظلمه بمعاونة اعوانه وأتباعه وليس بنفسه فقط .
   فالمعاونة له بأي شكل من أشكالها لا تجوز لأنها تقوية له ومساعدة له لتنفيذ ظلمه . ولهذا إذا نزل العذاب بالحاكم الظالم نزل بأعوانه أيضاً لأنهم مثله ظالمون كما حصل لفرعون وأعوانه قال تعالى : ﴿ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص : 40 ]. فجعلهم الله تعالى جميعاً ظالمين : فرعون وجنوده لمعاونة جنوده له ، فأهلكهم جميعاً .
 
خامساً : لا يعان الظالم على بقائه :
 ولا يعان الظالم على بقائه في مركزه الذي يمكنه على الظلم ، ولا يُدعى له بالبقاء لأن بقائه استمراراً لظلمه ، جاء في الحديث " من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب ان يعصى الله في أرضه " [ رواه البيهقي في شعب الإيمان وذكره أبو نعيم في الحلية من قول سفيان الثوري ] . وسئل سفيان الثوري عن ظالم أشرف على الهلاك في برية ، هل يسقى شربة ماء ؟ قال : لا . فقيل له : يموت ؟ فقال : دعه يموت .
 
من كتاب السنن الإلهية للدكتور عبد الكريم زيدان بتصرف

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين