أسئلة بيانية (24) سبب خصوصية سيدنا داود بقوله تعالى: (وآتينا داوود زبورا)

قال تعالى في سورة النساء: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 163-164].

سؤال:

لماذا خصَّ داود عليه السلام بقوله: ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا؟.

والجواب:

إن أهل الكتاب سألوا سيدنا محمداً أن يُنزل عليهم كتاباً من السماء، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً [النساء: 153].

فأجابهم ربُّ العِزَّة سبحانه أنَّ محمداً أوتي مثلما أوتي رسلُ الله الذين تؤمنون بهم وتُقرون بنبوتهم، فقال تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ[النساء: 163]، ومن ذكرهم من الأنبياء الآخرين.

وآتيناه كما آتينا داود زبوراً، وقد نزل الكتابُ على داود مُنجَّماً [انظر روح المعاني 6/26] وكذلك نزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فإنَّ مَن ذكرهم من الأنبياء الذين سبق ذكرهم ذكر داود اشتركوا في الوحي، ولم يؤتهم كلهم كتباً فإنَّ قسماً منهم لم ينزل عليهم كتباً فاشترك معهم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في الوحي، وأوتي كتاباً كما أوتي داود عليه السلام الذي تؤمنون به، وأرسله كما أرسل رسلاً آخرين قصَّهم عليه وآخرين لم يقصصهم عليه.

وقد تقول: ولِمَ قال: ﴿وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ [النساء: 164]؟.

والجواب:

إنَّ قسماً ممن ذكرهم في صدر الأنبياء وليسوا رسلاً مثل إسحاق ويعقوب، فقد أوتي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مثلما أوتي أنبياء الله ورسله جميعاً.

1- فقد أوحي إليه صلى الله عليه وآله وسلم كالنبيين.

2 وأوتي صلى الله عليه وآله وسلم كما أوتي داود عليه السلام.

3 وأُرسل كما أُرسل رسل الله ممن قصهم عليه، ومَن لم يقصصهم عليه.

4 ذكر سبحانه أنَّ الله كلَّم موسى تكليماً، وهذه خصوصيَّة لموسى عليه السلام.

وأوتي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ما هو أعظم من ذلك فإنَّ موسى كلَّمه الله تعالى على الطور، وأما محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد عرَج به إلى السموات العلا إلى سدرة المنتهى عندها جنة المأوى.

ثم إنَّ موسى عليه السلام خرَّ صعقاً.

وأما محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد قال ربه تعالى فيه: ﴿مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم: 17]، فأحرى بكم أن تؤمنوا به، وقد أوتي مثلما أوتي رسُل الله.

جاء في «روح المعاني» في تحقيق المماثلة بين شأنه صلى الله عليه وآله وسلم «وبين شؤون مَن يعترفون بنبوته من الأنبياء عليه السلام في مطلق الإيحاء ثم في إيتاء الكتاب، ثم في الإرسال، فإنَّ قوله سبحانه:﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ منتظم لمعنى (آتيناك) و (أرسلناك) فكأنه قيل: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى فلان وفلان، وآتيناك مثلما آتينا فلاناً، وأرسلناك مثلما أرسلنا الرسل الذين قصصناهم وغيرهم، ولا تفاوت بينك وبينهم في حقيقة الإيحاء والإرسال، فما للكفرة يسألونك شيئاً لم يُعْطَه أحدٌ من هؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام» [روح المعاني 6/26].

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين