زواج المسلم من مسيحية

 

في الوحيين أن يختار الرجل زوجه صاحبة دين وخلق، "وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"[1] ففى الصحيحين "، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَدَاكَ "[2] وكما أحل الله للمؤمن أن يتزوج المؤمنة المحصنة أي العفيفة وكذلك أحل له الزواج من عفيفات أهل الكتاب قال تعالى:" وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ "[3]

 

وثمة خلاف فقهي في حالة الكتابية التي تعتقد أن الله ثالث ثلاثة، أو أن الله هو المسيح بن مريم، أو أن العزير ابن الله. . أهي مشركة محرمة. أم تعتبر من أهل الكتاب وتدخل في النص السابق من سورة المائدة والذي والجمهور على أنها تدخل في هذا النص. . كما في التلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني[4] في مفاتيح الغيب للفخر الرازي والجواب الصحيح : ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ التَّزَوُّجُ بِالذِّمِّيَّةِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَتَمَسَّكُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا لَا يَرَى ذَلِكَ وَيَحْتَجُّ بِقَوْلِهِ" وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ"[5]  وَيَقُولُ: لَا أَعْلَمُ شِرْكًا أَعْظَمَ مِنْ قَوْلِهَا: إِنَّ رَبَّهَا عِيسَى وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ "[6] وغلب ذلك على الإباحة المنصوصة في الآية الأخرى ومثل هذا كثير. فقد يبلغ الرجل ممن ذكرنا نصان ظاهرهما التعارض فيميل إلى أحدهما بضرب من الترجيحات ويميل غيره إلى النص الآخر الذي تركه بضرب آخر من الترجيحات[7] . ولكني أميل إلى اعتبار الرأي القائل بالتحريم في هذه الحالة.وللأضرار الآتية ولقاعدة أن ما ما أدَّي إلى حرام فهو حرام "فهناك اعتبارات عملية قد تجعل المباح من زواج المسلم بكتابية ممنوعا . وهذا ما رآه الفاروق - رضي الله عنه - لبعض الاعتبارات واحترازا من أضرار آتية.

 

وشروط وضوابط زواج المسلم من الكتابية: (4)

 

1-التأكد من أنها كتابية يهودية أو نصرانية تؤمن بدينها في العموم على أي فرقة منها كاثولويكية أو بروتستنتينية ! أو أرثوذوكسية وليست ملحدة أو مرتدة أو لا دينية.أ

 

2-أن تكون عفيفة محصنة فإن الله لم يبح كل كتابية، بل قيد في آياته الإباحة نفسها بالإحصان، حيث قال: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} قال ابن كثير: "والمراد بالمحصنات العفيفات عن الزنى،للآية الأخرى:  {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ}". وقال:  "وهو الأشبه، لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية، وهي مع ذلك غير عفيفة، فيفسد حالها بالكلية، ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: حشفًا وسوء كيله ،  فشرطها أن تكون محصنة – أي عفيفة -  غير زانية.

 

3--نص بعض أهل العلم على اشتراط أن لا تكون حربية معادية للإسلام محاربة له وقد يدخل في ذلك من تتبنى في آراءها حرب الإسلام أو معادة بلد من المسلمين. وقد جاء هذا عن ابن عباس فقال رضي الله عنه : " مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَحِلُّ لَنَا , وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَحِلُّ لَنَا , ثُمَّ قَرَأَ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ}[8] فَمَنْ أَعْطَى الْجِزْيَةَ حَلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ , وَمَنْ لَمْ يُعْطِ الْجِزْيَةَ لَمْ يَحِلَّ لَنَا نِسَاؤُهُ. قَالَ الْحَكَمُ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ النخعي - أحد فقهاء الكوفة وأئمتها - فَأَعْجَبَهُ "[9] ورجحه من المعاصرين الشيخ القرضاوي حفظه الله.

 

4 - ألا يكون في ذلك فتنة ولا ضرر محقق أو مرجح، فإن استعمال المباحات كلها مقيد بعدم الضرر، وكلما عظم الضرر تأكد المنع والتحريم، وفي صحيح الإرواء " «لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ"[10] - وروي: ولا إِضْرَارَ" وأبلغ الضرر عدم العفاف فبقي قيد الإحصان ( العفاف ) فقد سأل رجل الحسن: أيتزوّج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ماله ولأهل الكتاب وقد أكثر الله المسلمات: فإن كان لا بدّ فاعلا فليعمد إليها حصانا غير مسافحة. قال الرجل: وما المسافحة، قال: هي التي إذا ألمح الرجل إليها بعينه أتبعته"[11]

 

من أضرار الزواج بالكتابية: (3)

 

1. انتشار الزواج من الكتابيات فيه كثرة العنوسة في بنات المسلمين لا سيما من اضطر من العائلات المسلمة للإقامة في بلاد  الغرب فإن فرص الزواج لهن  مقصورة في الغالب على المسلمين هناك فإذا تزوج المسلم من الكتابية حصلت مفسدة عظيمة. في صحيح آثار الظلال : (تَزَوَّجَ حُذَيْفَةُ - رضي الله عنه - يَهُودِيَّةً، فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ - رضي الله عنه - أَنْ خَلِّ سَبِيلَهَا , فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنْ كَانَتْ حَرَامًا خَلَّيْتُ سَبِيلَهَا فَكَتَبَ إلَيْهِ: إنِّي لَا أَزْعُمُ أَنَّهَا حَرَامٌ , وَلَكِنِّي) (أَخْشَى أَنْ تَدَعُوا الْمُسْلِمَاتِ , وَتَنْكِحُوا الْمُومِسَاتِ"[12] قال ابن جرير تعليلا لذلك : "حَذَرًا مِنْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِمَا النَّاسُ فِي ذَلِكَ فَيَزْهَدُوا فِي الْمُسْلِمَاتِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي، فَأَمَرَهُمَا بِتَخْلِيَتِهِمَا"[13] بل لقد نزع الفاروق من حقهما الحق والصلاحية في النكاح والطلاق عندما "غَضِبَ عُمَرُ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى هَمَّ أَنْ يَسْطُوَ عَلَيْهِمَا، فَقَالُوا: نَحْنُ نُطَلِّقُ، وَلَا تَغْضَبُ، فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ حَلَّ طَلَاقُهُنَّ لَقَدْ حَلَّ نِكَاحُهُنَّ" [14] وَلَكِنْ لِنَنْزِعهُنَّ صِغْرَةَ قَمِئَةٍ"[15]  (والصغرة جمع صاغر: هو الراضي بالذل. وقماء جمع قميء: وهو الذليل الصاغر  رحم الله عمر فقد كان ينظر إلى مصالح المسلمين ، ويسوسهم بالنظر والمصلحة ، وما أحوجنا إلى مثل هذه السياسة الحكيمة!!

 

2. أن لا تكون الولاية للمسلم ، والحاصل في هذا الزمان أن من يتزوج من بلد كافر فإنه يتزوجهن حسب قوانين تلك البلاد، فيطبقون عليه نصوص قوانينهم وفيها من الظلم والجور الشيء الكثير، ولا يعترفون بولاية المسلم على زوجته وأولاده ، وإذا ما غضبت المرأة من زوجها هدمت بيته وأخذت أولادها بقوة قانون بلدها ، وبإعانة سفاراتها في كافة البلاد، مما قد يؤدي لضياع الأولاد لا سمح الله.

 

3. أن يكون بموضع يخافُ المسلم  فيه على ولده أي بأن يُجْبر على الكفر أو يؤخذ منه عنوة ليسلم إلى أمه النصرانية أو اليهودية لتربيه كما أرادت كما حصل لكثير من أولاد المسلمين عياذاً بالله . ذكر ابن جرير من الشروط: " أَنْ تَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا يَخَافُ النَّاكِحَ فِيهِ عَلَى وَلَدِهِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْكُفْرِ "[16]. هذا الشرط ينبغي أن يتمعّن فيه ويقف عنده كلّ مسلم يريد أن يتزوج من هؤلاء النسوة. ففى صَحِيح الْجَامِع , وصَحِيح التَّرْغِيبِ :  "كفى بالمرء إثمًا أَن يضَيِّعَ من يقوت"][17]  فنظرا لصعوبة تحقق الشروط وتحقق وقوع كثير من الأضرار فالأولى للمسلم والأحوط أن لا يتزوج من أهل الكتاب عموماً في هذه الأزمان.

-------------

[1] النور :32

[2] صحيح البخاري (7/ 7) 67 - كِتَابُ النِّكَاحِ بَابُ الأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ  أخرجه مسلم في الرضاع باب استحباب نكاح ذات الدين

[3] [المائدة:5]

[4] التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير ط العلمية (3/ 379) لابن حجر العسقلاني (المتوفى: 852هـ)

[5] [الْبَقَرَةِ: 221]

[6] تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير (11/ 294) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية (3/ 115)

[7] الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة (2/ 537) صحيح البخاري (7/ 48) 68 - كِتَابُ الطَّلاَقِ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْكِحُوا المُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 221]

[8] [التوبة: 29]

[9] تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (8/ 147)

[10] إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (5/ 254) 1427/1) سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (1/ 498) 250  صحيح الجامع الصغير وزيادته (2/ 1249) 7517

[11] تفسير الثعلبي = الكشف والبيان عن تفسير القرآن (4/ 23)

[12] تخريج أحاديث وآثار كتاب في ظلال القرآن (ص: 57) صحيح.

[13] تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (3/ 716)

[14] المعجم الكبير للطبراني (12/ 248)

[15] الأحاديث المختارة = المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما (11/ 16)

[16] تفسير الطبري = جامع البيان ط هجر (8/ 147)

[17] حسن - "صحيح أَبي داود" (1485)، "تخريج فقه السيرة" (436)، "الإرواء" (894). صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (1/ 527) 1102 - [4226 صَحِيح الْجَامِع: 4481 , صَحِيح التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيب: 1965

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين