زمجرة الأصابع
انطلقت زمجرة أصابع الفنان علي فرزات بصرخاتها الكاريكاتورية ، تكشف زيف الطغيان ولؤم الاستبداد ، وتسجل للتاريخ مواقف الظلم ، ومطالِبةَ الكون كله من يقرأ ومن يسمع ، أن يلتفت لما يحدث في العباد وأرجاء البلاد ،
زمجرت أصابع الفنان وهي تعزف بالصورة نشيد التحرير ، وتنقش بلمسات فنه على جدار الخلود وصفحات التاريخ من الصور التي تعكس الخبر الهادف ، وتغزو برموش الريشة المتناغمة مع الحدث قلوب الأمة ، فتخفق مع نغمات الفنان وموهبته والتزام مبادئه ،
لقد أرسلوا الفرق البلطجية لتتابع الحركة الفنية الهادفة ، فتقيد رجالها في شوارع البلاد العريضة ، وتنقض بوحشية أظافرها وراجمات حقدها ، تنقض على هذا الإنسان الرقيق وقد خرج وحده من مرسمه ، انقضت عليه وغطت وجهه وكبلت يديه بنحاس غلظتها إلى الوراء ، ووجهت لكمات التغيظ إلى وجه الفنان ، وعضت بغيظها على أنامله الشامخة تلويها إلى الوراء وهي تردد : هكذا يجب أن تكون أصابع كل فنان ، منكسرة إلى الوراء ، تتحرك إلى التخلف ولا تعرف الطريق إلى الأمام ،
هكذا يجب أن يكون لسان كل شاعر ، ونغمة كل فنان مطرب ، يجب أن يكون مقلوبا إلى الخلف ، وإلا قطعته سكاكين البلطجية كما فعلت  بالمنشد إبراهيم القاشوش ،
نعم أيها الفنانون المبدعون ، يجب أن تعلموا جميعا أنه من الآن فصاعدا عليكم أن تسيروا إلى الوراء ، وأن تدفعوا بالكلمة إلى حلاقيمكم ، وأن تجعلوا ريشة رسومكم تتحرك وفق قانون عمى الألوان في عيونكم ، وبعدها يمكن أن ترسموا اللوحة مؤطرة بذلكم وعبوديتكم ،
وإلا... كسروا الأوزان ، واخلطوا الألوان ، واجعلوا الكلمة تترنح أمام السلطان ، وكسروا ميزان شعركم ، افعلوا كل ذلك ولكم أسوة في مجلس شعبكم المتراقص على نغمة تغيير الدستور ، ولكم أسوة في محاكم النظام التي تعبث بكل أحكام القضاء ، ولكم أسوة ببعض المتراقصين على المنابر ، يرصعون من الآيات تيجان الطغاة ، أو ينسجون من الأحاديث أوشحة لأبطال هزائم الجولان ،
يا أيها الفنان الراقد على سرير العظمة الصادقة ، والزرقة حول عيونه الثاقبة ، تحكي اللون المميز لكل وجه يتوجه نحو قبلة الحق ، فتُبدون وبال بلطجية الخلق ،
يا صاحب الأنامل الشامخة أمام صخور الباطل ، يا من حَفرتَ على صفحات التاريخ صورتك لوحة حية في القلوب ، رسمها أدعياء الإصلاح على غلاف رمضان في العشر الأخير ،
وإلى كل فنان نرسل هذه الصورة ليقول شعرا ، أو يمثل دورا ، أو يعزف نغمة على أوتار أمة الخلود لعله يتذكر ، ولعله يتدبر...
 
أيها الدومري : لا تحاول أن تشعل المصباح في أزقة المدينة ، لا تحاول أن تقلق خفافيش الظلام وهي تمضي في دياجير الرذيلة ، أغلق صحيفتك ، ولماذا تبدأ المحاولة برسم الأحداث ؟! دع التاريخ أميا لا يقرأ ولا يكتب ،
وإذا أردت أن ترسم فأمامك أمجاد السلطان ، اجعل منها أحاديث الزمان ، واملأ الأوراق ببطولات الطغاة ،
إني أسمعك وأنت مغمض العينين ، تتوسط الآلام ، والجرح جرح الكرامة ، أسمعك وأنت تتحدث لكل رواد التحرر ، وأنت تتوج اليوم بينهم رائدا رائعا ، تلوح لهم بكفيك الملفوفتين ، وتخبرهم بمهزلة الزمان ، وبأن أعداء الكلمة والصورة يريدون للأصابع أن تنقلب إلى الوراء ،
لقد لاحظوك لأنك من العصابة المسلحة ، وها هم قد اثبتوا تآمرك على الوطن ، فقد ضبطوك وأنت تحمل السلاح .. وأنت تحمل ريشتك راجمة الصواريخ , ريشتك التي تزرع الألغام ، لقد ضبطوك بالجرم المشهود وأنت تعري الأمور وتكشف الحقائق ، وبهذا تهدم الصروح التي تشيدها الأوهام ،
ريشتك التي لم تزين القبيح ، ولم تقبح الحسن الجميل ، ولم تجعل العرض طولا ، ولم تحول الليل فجرا ، ولم تجعل للنهار النجوم الساطعات ،
أنت من العصابة المسلحة ، فالصورة كالكلمة ، والكلمة يجب أن تبقى في الحلاقيم ، والصورة يجب أن تكسر قبل أن ترسمها الأصابع ، والريشة يجب أن يصاب حاملها بعمى الألوان ...
 
أسأل الله في هذه الأيام المباركات شفاء عاجلا لوجهك الصامد ، ولأصابع راحتيك التي اعتادت كرم العطاء ، أسأل الله لك عافية يطمئن من خلالها قلبك الكبير على أمتك المجيدة التي يشد أبناؤها على كلتا يديك لتتابع بهما رحلة آمالك ،
 
واذكر هنا كلمة قرأتها لأخ عزيز لي :
الرسام بلا أصابع ، المغني بلا حنجرة ، الطفل بلا عينين ، المسجد بلا مئذنة ، والرصاصة بلا ضمير ... لا لن تخطئ العنوان أنت الآن في سورية الصمود !!!!
بقلم الشيخ : نور الدين قرة علي

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين