زعموا أنا لا نُستشهَد‏!

 

 

في معركة اليرموك – إحدى أهم الملاحم الإسلامية في الشام - أكلت الحرب جموعا كبيرة من المسلمين من قبائل كلب وبهراء وعذرة، حتى إن بعض القبائل لم يبق منها سوى نثارات قليلة من الناس، فكان ربما بقي الرجل ومات كل إخوته وأبنائه وأبناء عمومته وخئولته وجميع جيرانه ورفاقه.

وحدث مثل هذا في فتوح فارس حيث أكلت الحرب بني أسد وجماعة كبيرة من بَجيلة وغيرهم، وفي معركة اليمامة مع بني حنيفة قبل ذلك فني كثير من المرتدين، ومات من الصحابة والتابعين جمهرة كثيرة من قراء القرآن وأفاضل الناس.

وفي موقف تاريخي رائع باليرموك أُتي خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه "بعكرمة بن أبي جهل جريحاً، فوضع رأسه على فخذه، وبعمرو بن عكرمة، فجعل رأسه على ساقه، ومسح وجوههما، وقطر في حلوقهما الماء، وقال: زعم ابن حنتمة، يعني عمر، أنا لا نستشهد "!!

لقد سالت في المغازي والحروب أرواح كثيرة بين يدي خالد القائد العظيم، لكن قريبه وصاحبه المخزومي عكرمة وابنه عمرا يموتان الآن بين يديه، وبنو مخزوم رجال حرب وقتال منذ الجاهلية، ومع شدة بأسهم وبطولتهم وبلائهم الحسن في الإسلام، إلا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لاحظ أن شهداءهم قليلون، ويبدو أنه ذكر ذلك في معرض كلام له، وبلغ الأمر خالدا، فلما رأى صاحبَه عكرمة وابنَه عمرو بن عكرمة وعمَّه الشقيق الحارث بن هشام وعمَّه غير الشقيق عياش بن أبي ربيعة وغيرهم من بني مخزوم مجندلين في اليرموك مثل كثير من إخوانهم الشهداء من أبناء القبائل والبطون الأخرى، أطلق خالد كلمته الرائعة: زعم ابن حنتمة أنا لا نستشهد!!

وقد فرضت هذه الكلمة الخالدة نفسها عليّ منذ الخميس الماضي؛ الثالث من يوليو مع الاحتفال الثوري المهيب بمرور عام على الصمود في وجه الانقلاب الأثيم؛ وذلك أن منطقة سكني الحبيبة - منطقة الهرم – كانت عروس الثورة في هذا اليوم، فقدمت أكبر عدد من الشهداء – نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله -، وسبقت يومئذ بثلاثة شهداء أخواتها من المناطق والأحياء التي خرجت في أنحاء مصر تهدر بالثورة في وجه الطغيان..

رأيت يومئذ صور الشهداء، فحضرت كلمة سيدنا الجليل خالد بن الوليد، وجاورتها كلمة أخرى سمعتها من أحد الناس أولَ هذا الصمود في وجه الانقلاب تقول: ليس في منطقة الأهرام شهداء! فقلت: زعم فلان أنا لا نُستشهَد!!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين