روائع قرآنية -9-

الرائعة القرآنية التاسعة :

قال الله تعالى :(وردَّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفى الله المؤمنين القتال . وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً) [الأحزاب/25،26] ، الصياصي:الحصون، سميت بذلك لامتناعهم بها،ومنه سميت قرون البقر:صياصي.

لنا أربع وقفات مع هاتين الآيتين :

1-الله وحده هو الفعال المطلق ، فهو الذي ردّ الذين كفروا في غزوة الأحزاب دون قتال ، وهو الذي أنزل يهود بني قريظة من حصونهم أذلة ، وهو الذي ألقى الرعب في قلوبهم فمن سواه يستحق اللجوء إليه وقت المصائب والنكبات ؟!

2-نقض يهود بني قريظة عهدهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واصطفوا مع الأحزاب ، لتتأكد حقيقة أن ملة الكفر واحدة ، وأنها على استعداد أن تدوس كل المعاهدات والمواثيق بقدمها حين ترى فرصة سانحة لذلك ، فلا عجب إن رأينا اليوم تكالب الصهيونية والصليبية على الإسلام الناصع الساطع وأهله، ولو خالفوا كل الأعراف والمعاهدات.

3- معلوم أن إلقاء الرعب في قلوب بني قريظة سابق لنزولهم من صياصيهم ، لأن سبب النزول هو الرعب ، فلماذا كان هذا التقديم ؟  ذلك لأن سرور المؤمنين بنزولهم أعظم وإخبارهم به أهم ، والله أعلم .

4-تقدم المفعول (فريقاً) على فعله (تقتلون)للاهتمام بذكره ، لأن ذلك الفريق هم رجال القبيلة الذين بقتلهم يتم الاستيلاء على الأرض والأموال والأسرى ، بينما لم يقدم مع الأسرى، فكان على أصله (وتأسرون فريقاً) لأن الأسر مع هذا الفريق من الذراري والنساء هو الأهم ، وقيل غير ذلك ، والله أعلم.

5- ولنا أن نلاحظ استخدام المضارع في حادثة ماضية، فبعد أن كان الحديث في الماضي :(وردَّ اللهُ)،(وأنزل )،(وقذف) تحول الحديث إلى لغة المضارع:( تقتلون وتأسرون)، وهذا يسمى حكاية الحال ، بمعنى أنه إذا كان الحدث الماضي مهماً فإنه يجعل بصيغة المضارع ليصير وكأنه شاخص مشاهد تجري أحداثه الآن . وذلك كي يشاهد المؤمنون كلما مروا بهذه الآية بأعينهم إلى الذين خانوا وغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وقت شدته من يهود بني قريظة ، وهم ينزلون من حصونهم المنيعة مستسلمين مذعنين لحكم الله الذي نطق به حليفهم سعد ابن معاذ رضي الله عنه ليقتلوا جزاء غدرهم وخيانتهم ، كما يشاهدون ذراريهم ونساءهم وهم يساقون أسرى كالنعاج بأيدي المؤمنين أمام أعينهم كذلك .

فما أروع البيان في آي القرآن !   

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين