روائع قرآنية (8)

الرائعة القرآنية الثامنة :

قال الله تعالى : (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) [آل عمران/103]

عملاً بوصية ابن مسعود رضي الله عنه((احرثوا هذا القرآن))

أي فتشوه وثوّروه ، كما في النهاية لغريب الحديث والأثر، وغريب الحديث لابن الجوزي ، فإننا نجد أنفسنا مدفوعين لمعرفة سبب اختيار (واعتصموا) مكان وتمسكوا إذا كان معناهما واحداً ؟والجواب والله أعلم أن (واعتصموا) فيها أبعاد لغوية لا نجدها في :وتمسكوا .

فالاعتصام : الإمساك ، ومنه سمي المعصم لإمساكه السوار.

والاعتصام : الامتناع، لقوله تعالى):والله يعصمك من الناس)

أي يمنعك .

والاعتصام : الملازمة، ومنه قيل للقلادة :العصمة ، وللحناء: العُصم ، لملازمته الكف .

وعلى هذا فيمكن القول:بأن الله حين أمرنا بالاعتصام بحبله ، كأنه أرادنا أن نعي هذه الأبعاد اللغوية في الاعتصام ، بمعنى أن على المعتصم أن يدرك بأن عليه أن يتمسك بدين الله ، وأن يعتقد بأن الله سيمنعه من عدوه ويحفظه ، كما أن عليه أن يفهم أن تمسكه بدين الله يجب أن يلازمه ولا يفارقه ، تحت أي ظرف إلا ما سمح به الشارع من الضرورات ( إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان) ، وبذا ندرك أن (واعتصموا) لا يمكن أن تحل محلها وتمسكوا ، لما حوته من الأبعاد اللغوية الهامة ، لتتأكد حقيقة أن القرآن قد اختيرت ألفاظ بعناية فائقة ، بحيث لا تغني كلمة عن غيرها في موضعها الذي اختارها الله فيه دون سواه .

فما أروع البيان في آي القرآن !

أما عن قوله سبحانه(ولا تفرقوا )بعد(جميعاً)فهو لغرض نبيل قد يغيب عن بعضهم حين يظن أنه إذا تمسك المسلمون بدين الله جميعاً ولو كانوا متفرقين ، فإنه وحده كاف لتحقيق مطالب الأمة وتطلعاتها في نصرها وتمكينها ونيل حريتها وكرامتها ، لكن مجيء (ولا تفرقوا ) بعد (جميعاً) جعلنا ندرك أن تمسك المسلمين ولو كانوا جميعاً بدينهم غير كاف إلا إذا كان تمسكهم جميعاً وهم مجتمعون غير متفرقين . (جميعاً ولا تفرقوا) فكيف إذا كان مع الفرقة نزاع وخصومة نسأل الله السلامة ؟ عندها علينا ألا نعجب من الفشل وذهاب الريح(ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم)

أسأل الله سبحانه وقد دخلنا في عشر المغفرة من رمضان، أن نغتنمها فرصة لنعمل بمنطوق (واعتصموا) بكل أبعادها ومراميها ، ليحقق الله لنا ما وعدنا من النصر والمنعة والتمكين ، إنه وحده دون سواه وليّ ذلك والقادر عليه .

اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ! 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين