روائع قرآنية -5-

الرائعة القرآنية الخامسة :

قال الله تعالى:(ووصَّينا الإنسان بوالديه حسناً)العنكبوت/8

وقال سبحانه:(ووصَّينا الإنسان بوالديه إحساناً)الأحقاف/15

تثير الآيتان فينا أربعة قضايا أرجو أن يتسع صدركم لذكرها:

  1. قضية بر الوالدين هي قضية إنسانية ، لأن الوصية توجهت للإنسان ، فما بالك إذا كان الإنسان مسلماً ؟!

  2. كان التعبير (بوالديه) بدل أبويه ، لأن الحديث عن البر، مع أن التي ولدت هي الأم ، فصار التغليب هنا للأنثى الوالدة على الأب الذكر،خلافاً لما هو معروف في أسلوب العربية من تغليب الذكر على الأنثى ، وما ذاك والله أعلم إلا لأن التعبير بالوالدين يدغدغ عواطف الولد ، ويجعله يتصور الولادة بكل متاعبها وأوجاعها، فيدفعه ذلك إلى السمو بالبرلأعلى مراتبه.

  3. كانت الوصية(حسناً) في الأولى و(إحساناً)في الثانية، بالمصدر في كلتا الآيتين، وكأنهما تطالبان كل مولود بأن يتحول بكليته مع والديه ، ليكون الحسن بعينه أو الإحسان بعينه . فتأمل !

  4. لكن السؤال هو لماذا كانت(حسناً) مصدر حسن في الأولى ، و(إحساناً) مصدر أحسن وهي الأبلغ في الثانية ، لأن زيادة المبنى زيادة في المعنى، وإن كان هذا ليس على إطلاقه ، لأننا نجد مثلاً حَذِر الصفة المشبهة أبلغ من حاذر اسم الفاعل ، لكننا مع(حسناً) و(إحساناً)على ما ذكرت من التفضيل ، فلماذا ؟ ذلك والله أعلم لأن  السياق في الأولى(ووصينا الإنسان بوالديه حسناً وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما)      

والسياق في الثانية(ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً) ، حيث ذكر هنا الحمل كرهاً والوضع كرهاً ، فاقتضت الوصية أن تكون (إحساناً) ، وهي أبلغ من(حسناً) ، لتقابل الكره والشدة في الحمل والولادة، ولما لم يذكر شيئاً من ذلك الكره في الأولى اكتفى بالوصية (حسناً)

ثم أمر آخر استدعى التفريق بين الوصيتين ، وهو أن الوالدين في الأولى كانا كافرين ، بينما كانا في الثانية مؤمنين  وبذا يتضح لكل منصف أن القرآن الكريم يختار ألفاظه بعناية فائقة إذ يضع في كل سياق اللفظ الذي يناسبه دون سواه .

فما أروع البيان في آي القرآن ؟!   

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين