روائع قرآنية -31-

الرائعة القرآنية 31

قال تعالى : (أفرأيتم ما تحرثون ءَأَنتم تزرعونه أم نحن الزارعون . لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون ) الواقعة/64-65

جاءت هذه الآية في سياق آيات تريد أن ترسخ عقيدة أن الله وحده هو الفعال المطلق لا سواه ، ليسلم المؤمن أمره إليه بعد أن يبذل وسعه فيما أمره به ، فهو خالق الإنسان وهو قادر على إماتته ( أفرأيتم ما تمنون . ءَأَنتم تخلقونه أم نحن الخالقون .  نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين)وهو منبت طعامه وهو قادر على أن يجعله حطاماً(أفرأيتم ما تحرثون ...) وهو منزل الماء الذي به شرابه وحياته وهو قادر على أن يجعله غير صالح للانتفاع به ( أفرأيتم الماء الذي تشربون ءَأَنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون . لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون) وهو خالق الشجر الذي تكون منه النار لطهي الطعام ، ولتكون مصدر دفئه في الأيام الباردة من الزمان. وكأن الله يقول: أيها العبيد أنتم جميعاً وكل وسائل عيشكم بل وفي كل أموركم، في حلكم وترحالكم،   وفي سلمكم وحربكم ، في قبضتي وتحت رحمتي ، ولا يكون منها إلا ما أريد . وبعد هذا فلا بد لنا من وقفتين :

1-اقترن جواب (لو) باللام في قضية الزرع دون غيرها من قضايا الخلق أو الماء :(أفرأيتم ما تحرثون... لو نشاء لجعلناه حطاماً) ذلك والله أعلم لتنقية عقيدة المؤمن وصناعته صناعة متميزة تجعله يعترف بفضل الله وحده ولا ينسب لنفسه شيئاً  مع الله حتى ولو كانت له صنعة بارزة فيه ، فلما كانت قضية الزرع مظنة أن يقول فيها الزارع أنا حرثت وألقيت البذر ووضعت السماد وسقيت الأرض وحصدت الثمر إذن أنا فاعله وموجده ؟! فجاء الجواب بالتأكيد باللام على قدرة الله على تحطيم الزرع في هذا الموضع فقط ، ولو كان الزارع هو فاعله في الصورة والمظهر (لو نشاء لجعلناه حطاماً)

2- نلحظ في قضية النار (أفرأيتم النار التي تورون . ءَأَنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشؤون . نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين . فسبح باسم ربك العظيم) نلحظ غياب التهديد بإتلاف النار وإطفائها كما فعل سبحانه في كل ما سبق وذلك والله أعلم لأن الله أراد للنار أن تبقى تذكرة ومتاعاً للمسافرين وحتى تبقى كذلك لا يناسب أن يهدد بإطفائها وقد أراد بقاءها للتذكرة والعظة (نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين.) فسبحان الله العظيم  ما أروع البيان في القرآن !

فما رأيكم أحبتي أن نعيد النظر في علاقتنا مع الله الفعال لما يريد والذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون ، لتكون أحسن حالاً مما كانت، لنجني ثمار ذلك نصراً وعزاً وتمكيناً وحرية وكرامة. 

وسامحوني على الإطالة لأن عرض هكذا قضايا يتطلب ذلك.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين