روائع قرآنية -18-

الرائعة القرآنية الثامنة عشْرة :

قال الله تعالى : ( كُتِب عليكم القتال وهو كُره لكم وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون) من سورة البقرة / 216

وقال سبحانه : (فإن كرهتموهنَّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً) النساء / 19

إذا تأملنا هاتين الآيتين فيمكننا أن نتحدث عن ثلاث قضايا:

1-(كُتِب عليكم القتال) أي فُرض ، وال في (القتال) للجنس ، فهو عام لكن عموماً عرفياً ، فهولا يكون إلا للأعداء ، وفي حدود ما شرعه الله ، وليس قتالاً مفتوحاً لشهوة القتال ، كما يحلو لبعض الجهلة اليوم من قتال أهل الإيمان، أوغيرهم من بني الإنسان تحت مسميات ومعتقدات بعيدة عن هدي القرآن. فالقتال لم يأذن به الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ابتداء، ثم أَذن للمظلومين بذلك (أُذِنَ للذين يُقاتَلون بأنهم ظُلموا وإنّ الله على نصرهم لقدير) الحج/39، فهو إذْنٌ للمظلومين بالقتال دون الأمر به ، ثم كان الأمر به ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا) من سورة البقرة /190. فأنت يا شعبنا السوري قد أَذن الله لك بقتال من قاتلوك وعذبوك وقهروك ، ثم جاءك الأمر بوجوب قتال من قاتلوك ، وقد فعلت ما أمرت به ، ولم تكن معتدياً بفعلك هذا ، بل قمت بواجبك المقدس . أسأل الله القادر على نصرك أن يعجل لك بالنصر .

2- (وهو كُرْهٌ لكم ) يتبادر إلى الذهن كيف يأمر الله بما هو مكروه وبغيض ؟ والجواب أنه مع كره النفس للقتال إلا أنه يحمل في طياته الخير العميم إذ بدونه تغيب المصالح وينتشر الفساد في الأرض التي أُمر المؤمنون بإعمارها ( هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها). وما تسلُّط الأعداء اليوم وتكالبهم على المسلمين لاستعبادهم ونهب خيراتهم ، إلا لتقصيرهم بواجب الجهاد والإعداد.لذا كان التعقيب ضرورياً لإزالة هذا اللبس (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) فعليكم أن تمتثلوا أمر العليم الخبير في قتال عدوكم المعتدي،  لأنه سبحانه أعلم بما يصلحكم (والله يعلم وأنتم لا تعلمون)

3- لكن الرائعة التي ننتظر فوق هذا كله هي في أننا وجدنا في آية الطلاق (فإن كرهتموهنَّ فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً) ولم يذكر سبحانه الحالة الثانية وهي : وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم ، كما ذكر الحالتين في آية القتال ، وما ذاك والله أعلم إلا لأن الكراهة في آية القتال طبيعية فطرية تحتاج إلى المساواة بين طرفي المعادلة ، بينما في آية الطلاق الكراهة عرضية طارئة تحتاج الى معالجة خاصة ، فالكاره لزوجته ليس بحاجة لأن يذكر له الطرف الآخر من المعادلة ، لأنه كاره وكفى ، وهو يبحث عمن يؤيده على قراره في الطلاق فحسب. لذا وجب تذكيره بالتروي لأن الكراهية الطارئة قد تتبدل أو تكون مبعث خير عميم لم ندركه ( ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً)

فما أروع البيان في آي القرآن !!

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين