روائع قرآنية -14-

الرائعة القرآنية الحاديةَ عشرةَ :

قال الله تعالى : ( وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى ) [طه/18]

وقال سبحانه:(فلما قضينا عليه الموتَ ما دلهم على موته إلا دابّةُ الأرض تأكل مِنْسَأتَهُ)[سبأ/14] المنسأة : العصا العظيمة

ولنا أن نتساءل عن سبب تسمية العصا بالمنساة في قصة سليمان عليه السلام ، ذلك والله أعلم لما في المنساة من معنى الزيادة وهو النسيء . والسياق في القصة يشير إلى زيادة توهمتها الجن في عُمْر سليمان عليه السلام ، فبقيت تعمل بدأب ونشاط حتى نخرت دويبة الأرض العصا، وخرَّ سليمان ميتاً ، لتتأكد حقيقة أن الجن لا يعلمون الغيب ، وما يدعيه السحرة من خلاف ذلك ، هو تدليس على الناس يجب الحذر منه ) فلما خرّ تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ) ، وسبب آخر لهذا الاختيار أيضاً والله أعلم هو أن في المنسأة بعد لغوي آخر قوّى هذا الاختيار، وهو أن نسّأ الدابة : ساقها وزجرها ، فالمنسأة تُزجر بها الإبل لتسوقها ، فكأن منسأة سليمان هي التي كانت تسوق الجن إلى العمل بثباتها وهو متكئ عليها مع أنه قد فارق الحياة وهي تعمل ، ولوعلمت الجن بموته لتوقفت عن العمل.

فلله در القرآن ! ما أدق تعبيره وأروع بلاغته وأنصع بيانه !

إذ يختار لكل سياق اللفظ الذي يناسبه ، وكأنه في اختياراته

 الرائعة هذه ، يريد أن يغرس في المسلمين قيمة ثمينة ، وهي أنّ على المسلم أن يكون في تعامله مع واقعه مرناً ،  فيحسن اختيار ألفاظه وعباراته وشعاراته ولافتاته  وتصرفاته حسب كل المستجدات ، مقدماً مصلحة الإسلام والمسلمين على مصلحته الشخصية والحزبية والفئوية ، لكن ليس على حساب الثوابت ، فيكون مدركاً لأبعاد ما يدبر له ، فطناً لكل ما ينسج حوله من خيوط التآمر، حتى ينجو من الفِخاخ التي لا يهدأ الماكرون لحظة من نصبها ليوقعوه فيها  ليوفر المسلمون جهودهم في النهضة والبناء والإنماء ، بدل أن تضيع في معارك جانبية مفتعلة ، تأكل طاقاتهم ، وقد تأتي على أخضرهم ويابسهم قبل نضجهم وصلابة عودهم .

اللهم هل بلغت ؟ اللهم فاشهد !   

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين