رمضان والإنتاج

 

 

مدرسة رمضان المبارك بما تحققه لروادها من دروس الإخلاص والتقوى والصبر والصدق والأمانة وقوة الإرادة وعلو الهمة ، تحقق دروساً مهمة منها: تحقيق التكافل الاجتماعي ، والحد من التبذير والإسراف ، وكثرة الإنتاج.

وسيكون حديثي في هذه الحلقة عن الإنتاج ودور الصوم في تنميته. إذ أن الكثير من الناس يفهمون كثيراً من القيم الدينية وصلتها بالاقتصاد فهماً مغلوطاً.

إن الإيمان والتقوى والاستقامة والطاعة توجب علينا أن نوازن بين ديننا ودنيانا، وأن نتعبد الله بمراعاة سننه الكونية، وأن نغرس ونزرع ونصنع ، ونقوم بكل ما تحتاج إليه الأمة في دينها ودنياها.

فالعبادة ليست رهبانية ،والصوم ليس انقطاعاً عن الحياة ، أو انشغالاً عن تنميتها . إن المؤمن يتقن عمله ويجوده ، لاعتقاده أن الله يراقبه في عمله ، ويراه في مكتبه أ, مصنعه أو مزرعته، وفي أي حال من أحواله، وأنه تعالى :«كتب الإحسان على كل شيء ». وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإحسان في جانب العبادة فقال :« أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».

وهذا هو شعور المؤمن في كل عمل من الأعمال ـ لا في العبادة وحدها ـ أن يؤدي العمل كأنه يرى الله ، فإن لم يبلغ هذه المرتبة فأقل ما عليه أن يشعر بأن الله يراه ، وشعار المؤمن دائماً في أداءه لعمله : إني أرضي ربي.

والمؤمن لا يحقق مرضاة الله سبحانه له ، إلا بأداء العمل في صورة متقنة :«إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».

والمسلم الصائم تربى في مدرسة الصيام على أخلاق كثيرة ، ومن أهم الأخلاق التي يتوقف عليهما جودة العمل وإتقانه ، وحسن الإنتاج : الأمانة والإخلاص.

وهما في المؤمن الصائم على أكمل وأروع صورة، فيؤدي عمله ، وليس همه مجرد الكسب المادي من صنعته، أو إرضاء صاحب المعمل ، ولكنه أمين على عمله ، يخلص فيه جهده ، ويراقب ربه، ويرجو ثوابه في الآخرة :[وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {التوبة:105} .

إن أكثر ما تعانيه المؤسسات العامة، التي تعطل مصالحها ، والأعمال النافعة التي تحقق والأموال الطائلة التي تضيع والإنتاج الذي يتدهور ، إنما هو بسبب فقدان الأمانة والإخلاص وخراب الضمائر عند أولئك الذين لا يخافون الله ولا يحسبون للآخرة حساباً.

إن الصائم يشعر بسكينة النفس ، وطمأنينة القلب ، وانشراح الصدر ، ولا ريب أن هذه الحالة النفسية لها أثرها في الإنتاج ، فإن الإنسان المتخم أو القلق أو اليائس أو المضطرب أو الحاقد ، لا يحسن عمله، ولا ينتج إنتاجاً نافعاً.

والصائم الصادق ، يبتعد عن المحرمات ، ويكف عنان شهواته فإن الصيام يأبى عليه أن يفرغ طاقاته في لهو حرام ، أو الانغماس في أوحال الشهوات.

فيظل محتفظاً بحيويته وطاقته الجسدية والعصبية والعقلية والنفسية.

والصائم عميق الإحساس بقيمة الزمن ، وأهمية النظام، فهو يحفظ وقته أن يضيع بعبث، ولا يفرط في الزمن الذي له أهمية عظمى في الإنتاج.

فما أعظم أثر الصيام في الإنتاج بما يغرسه في نفس الصائم من خشية لله تدفعه لإتقان عمله، وما يوجده من سكينة نفسية لها أعظم الأثر في الإنتاج ، واستقامة وطاعة لله، وإحساس بقيمة الوقت.

وأين حال أكثر الصائمين اليوم الذين يجعلون من هذا الشهر مدعاة للكسل والعجز ، والتقصير في العمل ، وتبديد الوقت.

فلو فهمنا الصيام على حقيقته ، لكان ـ وسائر شعائر الإسلام ـ من أعظم الأسباب التي ترقى باقتصاد الأمة وتزيد من فاعليتها وإنتاجها.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه و سلم 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين