رسالة حامل مفاتيح الحرم

 

هل ما زلت تذكر رسالة الشيخ أحمد حامل مفاتيح الحرم النبوي؟ الرسالة التي تخبر عنه وقد غلبته عيناه أثناء قراءة القرآن في الروضة، فأخبره الرسول عن المعاصي يرتكبها المسلمون، وقرب يوم القيامة، وأمرهم بالتوبة. وبشرت الرسالة من نشرها بشفاعة النبي، والخير الكثير والرزق الوفير، وذهاب الغم، وقضاء الدين، وشفاء السقم، وحذرت من أهملها بالإثم الكبير، والمصائب العاجلة، بالموت، أو فقد العمل إلخ. 

مضى قرابة ثلاثين سنة منذ رأيتها، والتلاميذ يوزعونها في الصباح، بعد أن قضوا ليلتهم في كتابة أكبر عدد منها، طلبا للنجاح، أو هروبا من النقمة التي تحل على من يهملها. كانت تلك هي نوعية المنشورات المسموح بتوزيعها، وكنا أصغر من أن نحكم على صحتها؟ 

على ما أذكر لم أنسخها أو أوزعها، ربما لأني لم أستلمها ورأيتها مع أختي، فاعتبرت تكليف نسخها يقع على عاتقها، أو لأنني رغم (تفوقي) النسبي لم أكن أحب الواجبات، لا سيما كتابة الدرس عشر وخمسة عشرة مرة، كما كان يطلب مدرسو ذلك الزمان؟ 

ثم ظهرت ماكينات التصوير، فالكمبيوتر و(الإنترنت)، فمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف الذكية، وصار النسخ التوزيع أسهل واسرع، لا يحتاج سوى نسخ بأصبع ولصق بأخرى، والإرسال لأعداد لا تحصر من الناس. 

كبرنا وعرفنا أن هذه الرسالة خرافة، ولا يوجد الشيخ أحمد، ولا وظيفة حامل مفاتيح الحرم. 

أما ما الذي ذكرني بها؟ ذلك لأنني أراها كل يوم، ليس بنصها، ولكن بمضمونها وفكرتها وروحها العامة. 

رأيتها في منشور يقول: أن تطبيق (الواتس آب)، سيرسل أكثر العبارات تكرارا إلى المستخدمين جميعا، مع توصية بنشر (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، لتكون الأكثر تداولا. سألت: من أنبأك هذا؟ وما زلت أنتظر الإجابة. 

ورأيتها في آخر، يذكر أن العالِم المتوفى صاحب الكتاب (الفلاني)، عرض عليه اليهود عشرة ملايين دولار مقابل عدم نشر كتابه؟ سألت: من أين هذا؟ وما يزال المؤلفون يؤلفون وينشرون ولم يعرض عليهم شيء؟ أخبرني ناشرها: أنه تلقاها بسند عال من صديق للمتوفى، وأن عليَّ أن أركز على المضمون، وأستفيد من الكتاب. 

ورأيتها في منشور، يتضمن حثا على التصويت في استطلاع للرأي، لأن (جوجل) سيغير اسم إسرائيل إلى فلسطين، في حال تغلبت في التصويت. سألت، وأجبت بأنها المعلومة من صديق فلسطيني. 

ورأيته في منشورات كثيرة لأحد الأصدقاء، وقد لفتُّ نظره إلى مسالة التدقيق، فما كان منه إلا أن نقل موضوعا طويلا، ولكي يخرج من عهدته، كتب أسفله هل هذه المعلومات صحيحة؟!

يا جماعة الخير، صدقوا بالله، لا يوجد من اسمه الشيخ أحمد، و(الواتس) لن ينشر أكثر العبارات تكرارا، وإسرائيل لا تبدد ملايينها على العرب، وجوجل لن يعيد تسمية إسرائيل بفلسطين. 

علينا أن نفكر في الكلام قبل نطقه أو كتابته، وألا نصدق كل ما نسمع، وأن ندقق فيما نقرأ، وألا ننشر كل ما يصل إلينا، وأن نشغل العقل الذي وهبنا إياه، فبهذا يدعى الإنسان عاقلا. 

وارد أن تخطئ مرة أو مرات، لا أن يكون هذا ديدنا، بأن تتغلب شهوة النشر، والرغبة في حوز قصب السبق، على العقل والأناة والتحري.

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين