ردود على شبهات (1)

تمهيد:

1- هناك شبهات حول الإسلام يثيرها أعداؤه وهذه الشبهات وإن كانت هزيلة إلا أنَّ لها بعض التأثير في نفوس ضعاف الإيمان والجاهلين بأحكام الإسلام، ولهذا قد يكون مفيداً الرد على هذه الشبهات ليزداد الذين آمنوا إيماناً، ويقوىٰ ضعاف الإيمان فلا ينزلقوا في مزالق الباطل.

2- ومن هذه الشبهات التي نردُّ عليها: تعدُّد الزوجات؛ ومعاملة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبني قُرَيْظَة؛ والحرب والغزوات؛ والحدود في الإسلام.

أولاً – تعدُّد الزوجات:

3 - شرع الله تعالى نظام الزواج لإيجاد النسل وإشباع الغريزة الجنسيَّة في الإنسان بطريق مشروع سليم يليق بالإنسان ويرتفع به عن مستوى الحيوان.

4 - ونظام الزواج في الإسلام يقوم على أساس وحدانية الزوجة مع جواز تعدد الزوجات إلى حدِّ أربع زوجات في وقت واحد إذا توافرت الشروط الشرعيَّة التي سنشير إليها.

5 - ودليلنا على ما نقول الآية الكريمة: ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ إلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَأب لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ إلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أو مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى إلا تَعُولُوا﴾ [النساء: 3]. والخوف من عدم العدل الذي تُشير إليه الآية الكريمة يصدق بالظن والشك فيه، وعلى هذا فالذي يباح له التعدُّد هو الذي يتيقَّن من نفسه العدل بين زوجاته، أو يظن ذلك، أما الذي يتوقَّع عدم العدل في نفسه فإنَّه ممنوع ديانة من التزوُّج بثانية أو أكثر.

أما ما يقوله الجهال من أنَّ التعدد ممنوع لأنَّ شرطه القدرة على العدل بين الزوجات وهذا الشرط مستحيل لقوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ﴾ [النساء: 129]، أقول ما ذهبوا إليه غير صحيح؛ لأنَّ العدل المستطاع الذي هو شرط التعدُّد هو العدل المادي في المبيت والنفقة وحسن العشرة ونحو ذلك، أما العدل المنفي المستحيل فهو العدل المعنوي، أي: العدل في المحبَّة والميل القلبي.

6 - إلا أنَّ النظر إلى الآيتين الكريمتين يؤدِّي إلى القول بأنَّ الأولى والأفضل هو الاكتفاء بزوجة واحدة؛ لأنَّ هذا الاكتفاء هو الأقرب إلى السلامة من الوقوع في الجور ولأن الميل القلبي لإحدى الزوجات أكثر من الأخريات وإن كان معفواً عنه إلا أنَّه قد يجرّ إلى عدم العدل المادي.

7 - وإذا كان الأولى والأفضل وحدانية الزوجة وإباحة التعدد بشرطه إلا أنَّ هذه الأفضلية تصير للتعدد إذا وُجد المبرِّر الشرعي له، كالذي يتزوَّج امرأة وحيدة لا أهل لها ولا مال ولا مُعيل ليقيها الحاجة والانزلاق.

8 - فتعدُّد الزوجات في الشريعة الإسلاميَّة مُباح غير واجب ولا مندوب إلا إذا انضمَّ إليه أمر خارجي يجعله مندوباً كما أشرنا، والشروط في إباحة التعدد هو القدرة على العدل بين الزوجات عند وجود المبرر الشرعي للتعدد إلا أنَّ التأكد من القدرة على العدل والتأكد من وجود المبرر الشرعي للتعدد كل ذلك متروك لتقدير المسلم وديانته، ولا سبيل للقضاء عليه.

وعلى هذا النهج درج المسلمون الأولون من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعهد أصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان وكل محاولة لإخضاع التعدد وشروطه لسلطان ورقابة القضاء هي محاولة فاشلة لا تأتي بخير وضررها أكبر من نفعها ولا دليل عليها من الشرع.

مبررات نظام التعدد:

9 - نظام التعدد له علاقة بالمعدِّد والمعدَّد بها، والمعدَّد عليها، والمجتمع، فهل في نظام تعدد الزوجات مصلحة لهؤلاء تبرِّر الأخذ به؟

أولا - بالنسبة للمعدِّد:

10- المعَدِّد: هو الزوج فهل هناك من مُبررات لأن يتزوج بأكثر من واحدة؟ الجواب بالإيجاب، وهذه بعض المبررات:

أ- الرجل بطبيعته أكثر طلباً للاتصال الجنسي من المرأة غير مقيَّد بوقت معين بخلاف المرأة فهي لا تكون مستعدة له في كل وقت كما في أوقات الحيض والنفاس وأيام الحمل الأخيرة. وقد يكون الرجل من النوع الذي يميل كثيرا إلى غشيان زوجته فلا تكفيه زوجة واحدة لاسيَّما إذا كانت من اللواتي تطول أيام حيضهن فمن الظلم له منعه من الزواج بأخرى مع قدرته على العدل والقيام بأعباء الزواج.

ب - قد تكون الزوجة مَريضة لا تقوى على القيام بمُتطلبات الحياة الزوجيَّة أو تكون عاقراً أو أنَّها دخلت في سنِّ اليأس والزوج يتطلع إلى الذرية وتطلعه مشروع أو إنَّه لا يزال قادراً على الإخصاب وبحاجة إلى النساء فمن العدل إباحة الزواج له بأخرى مع بقاء زوجته الأولى.

ج - قد يكون للزوج قريبة مُنقطعة وحيدة فاتها قطار الزواج ويريد أن يحصنها وينقذها من وحدتها ويضمها إليه كزوجة، وهذا غرض نبيل يجب أن نشجعه عليه لا أن نمنعه منه.

ثانيا - بالنسبة للمعدَّد بها:

11 - وهي الزوجة الثانية ومصلحتها في التعدُّد ظاهرة إذ تصير به زوجة في نظر الشرع والقانون والناس وهذا خير لها من بقائها عانساً معرضة للغواية والانزلاق والحاجة.

وانزلاق المرأة في عصرنا الحاضر أصبح ميسوراً وسهلاً لكثرة وسائل الغواية والانزلاق، وإذا كان الأمر هكذا فإنَّ أيَّ امرأة عاقلة تدرك مصلحتها وتفضل أن تكون زوجة ثانية على أن تكون عشيقة وأداة لهو وعبث للرجال.

ثالثاً - بالنسبة للمعدَّد عليها:

12 - وهي الزوجة الأولى ومن مصلحتها أن تقبل بزواج زوجها بأخرى – وقد قامت مبرراته – ولا ترفضه لأنها بهذا الرفض تدفع زوجها إلى هجرها أو إلى تطليقها ولا تستفيد هي شيئاً وإذا كان القانون يمنع الزواج بأخرى إلا إذا رضيت هي، وهي ترفض زواجه فإنه سيهجرها ويعاملها بما لا تحب، أما إذا رضيت بزواجه فإنه سيقدِّر لها رضاها وسيغمرها بعطفه ولطفه وحسن معاشرته. أما إذا كان القانون يمنع من الزواج بثانية مطلقاً مع وجود الأولى فهذا المنع سيلحق أعظم الضرر بالزوجة ولا ينفعها شيء إذ أنَّ الزوج سيهجر زوجته ويجعلها كالمعلقة وقد يندفع إلى الزنىٰ.

رابعاً - بالنسبة للمجتمع:

13- أ - من مصلحة المجتمع أن يكون طاهراً نظيفاً لا مكان فيه للفاحشة؛ لأنَّ في طُهره ونظافته قوَّة مؤكَّدة للأسرة وحفظاً لها من الانهيار وصيانة للنسل من الضياع، ولا شك أنَّ نظام تعدد الزوجات يسهم إلى حدٍّ كبير في تحقيق هذه الأغراض.

ب - نظام التعدُّد يحلُّ مشكلة كثيرة الوقوع وهي زيادة عدد النساء على الرجال، وهذه الظاهرة تبدو هي الغالبة دائماً في أكثر بلاد العالم، وتظهر بالتأكيد في أعقاب الحروب التي تطحن عادة الرجال أكثر من النساء.

ولا يمكن حلُّ مشكلة زيادة عدد النساء حلاً شريفاً سليماً إلا بإباحة تعدد الزوجات. وبدون هذه الإباحة، أي: بتحريم التعدد قانوناً، يعني ترك هذه المشكلة تحلُّ نفسها بنفسها عن طريق الاتصال الجنسي غير المشروع، كما هو واقع في أكثر بلاد العالم. ومن المعلوم أنَّ شيوع الفاحشة في المجتمع تترتب عليه نتائج خطيرة جداً اجتماعيَّة واقتصاديَّة وأخلاقيَّة مما لا مجال في الإسهاب فيها هنا.

وهذا الخوف المتوقَّع من زيادة عدد النساء مع تحريم التعدُّد يحصل إذا كانت النساء غير المتزوجات مكفيات المؤنة وإنما ينحدرن إلى الزنىٰ بدافع الغريزة الجنسيَّة لا بدافع الحاجة والجوع.

أما إذا كنَّ محتاجاتٍ أيضاً إلى الكسب فهنا الطامَّة الكبرى إذ ينزلن إلى ميدان العمل فيتلقفهن عبيد الشهوات الذين لا يخشون الله ولا يغارون على أعراض الناس ويظلون يزينون لهن الفاحشة ويضيقون عليهن الخناق حتى يستسلمن لهم.

ج - وقد يحتاج المجتمع إلى كثرة النسل ونظام التعدُّد يسهم في تحقيق ذلك بوجه مشروع وسريع لأنَّ الزوجة الواحدة لا تلدُ في السنة إلا مرة واحدة أما الرجل فإنَّه قادر على إخصاب أكثر من واحدة في السنة، فمنعه من الزواج بأكثر من واحدة يعني منعه من الإسهام في زيادة النسل الذي يحتاجه المجتمع.

اعتراضات على نظام التعدُّد:

14 - وقد يعترض البعض على نظام التعدُّد بما يأتي:

أ - التعدد إجحاف بحقِّ الزوجة الأولى والزوجة الثانية؛ لأنه يفوت على كل منهما الاختصاص والانفراد بمكان الزوجة الوحيدة للزوج إذ لولا إباحة التعدد لبقيت الزوجة الأولى وحيدة لزوجها ولتهيئ للزوجة الثانية زوج خاص بها لا تشاركها فيه زوجة أخرى.

ب _ التعدد ظلم للزوجة الأولى لأنه يبيح للزوجة الثانية أن تحل في بيتها وتقاسمها زوجها في حبه وماله، والظلم ممنوع في الشرع ومنعه يكون بمنع التعدد.

ج - التعدد محرَّم في الديانتين اليهوديَّة والمسيحيَّة ولهذا نجد أكثر شعوب العالم في الوقت الحاضر تُحرِّم التعدد ولا تستسيغه متأثرة بهذا التحريم الديني، فمن المصلحة تحريم التعدُّد في الشريعة الإسلاميَّة مسايرة لشعوب العالم لاسيَّما والتعدد من المباحات لا من الواجبات في الإسلام.

د - في التعدُّد مآسي كثيرة منها وقوع الطلاق وتشرد الأطفال ووقوع العداوة والبغضاء بين الزوجات وبين أولادهن وعجز الأب عن رعاية أبنائه وعجز الدولة عن القيام بواجباتها نحو المواطنين لكثرة النسل المتأتيَّة من إباحة تعدُّد الزوجات كما نلاحظه في الشعوب الإسلاميَّة.

نقض هذه الاعتراضات:

15 - وهذه الاعتراضات هزيلة لا تقوى على المناقشة ونردها فيما يلي بنفس تسلسل فقراتها فنقول:

أ - الادعاء بأنَّ التعدُّد يجحف بحقِّ الزوجة الأولى والثانية ادِّعاء غير صحيح فليس من حق الزوجة الأولى الاعتراض على زواج زوجها بأخرى بعد أن قامت مبررات زواجه، وليس من مصلحتها منعه من هذا الزواج أو إعلان سخطها عليه؛ لأنَّ سخطها أو منعها لا يحفظ لها زوجها أو لا يحفظ لها حبه وإخلاصه فيفوت الغرض الذي من أجله لم ترض بزواجه.

أما الزوجة الثانية فإن إباحة التعدد لم تفوت عليها فرصة الظفر بالزوج الخاص بها وإنما يعطيها فرصة لتكون زوجة ثانية إذ لم تستطع أن تظفر بمنزلة الزوجة الوحيدة للزوج فمن مصلحتها إذن إباحة التعدُّد فإن رأت مصلحتها في الزواج من ذي زوجة تزوجته، وإن لم ترَ مصلحتها في الزواج به رفضته، فالخيار بيدها ولا إجبار في زواجها فما شأن الآخرين بها، الذين يريدون منع التعدُّد وفي هذا المنع منع لاختيارها وإهدار لإرادتها؟ أيريدون أن تبقى وحيدة بلا زوج ليسهل اصطيادها وإيقاعها في مصايد الذين لا يخشون الله ولا يغارون على أعراض الناس؟!

16 - ب - الادِّعاء بأنَّ نظام التعدُّد ظلم للزوجة الأولى لأنه يبيح للأخرى أن تشاركها في بيت زوجها ادعاء مبناه التأكيد على مصلحة الزوجة الأولى فقط دون نظر ولا اعتبار لمصلحة الزوجة الثانية ومصلحتها أن تكون زوجة شرعيَّة مصونة من الضياع. ولا شك أنَّ الإصرار على اعتبار مصلحة الزوجة الأولى فقط هو إصرار في غير محله وغير جدير بالاعتبار لأنَّه نظر قاصر وأناني.

إنَّ الزوجة الأولى يمكنها أن تشترط لنفسها في عقد الزواج أن لا يتزوج عليها وأنَّه إذا فعل ذلك كان لها حق الفراق منه، وهو شرط سائغ وجائز شرعاً.

جاء في المغني في فقه الحنابلة وغيرهم: (وإن تزوَّجها وشرط لها أن لا يتزوج عليها فلها فراقه إذا تزوج عليها، وهو المروي عن عمر بن الخطاب وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم، وبه قال شريح وعمر بن عبدالعزيز وجابر بن زيد وطاووس والأوزاعي وإسحاق) [المغني لابن قدامة الحنبلي ج 6 ص 548].

17 - ج - قولهم إنَّ التعدد محرَّم بالديانتين اليهودية والمسيحيَّة ادِّعاء غير صحيح، فقد كان التعدد مباحاً للأنبياء السابقين كما كان مباحاً لغيرهم فسيَّدنا إبراهيم الخليل عليه السلام تزوج بسارة ثم بهاجر في حياة سارة، وأن يعقوب عليه السلام تزوج بأربع نسوة، وأن داود وسليمان تزوجا بنساء كثيرات [إظهار الحق تأليف رحمة الله بن خليل الرحمن الهندي ج 2 ص369 وما بعدها].

ويقول (نيوفلد) صاحب كتاب قوانين الزواج عند العبرانيين الأقدمين: (إنَّ التلمود والتوراة معاً قد أباحا تعدُّد الزوجات على إطلاقه، وإن كان بعض الرياضيين ينصحون بالقصد في عدد الزوجات) [المرأة في القرآن للأستاذ عباس محمود العقاد ص130، الأسرة والمجتمع للدكتور عبد الواحد وافي ص84].

أما كتب الديانة المسيحيَّة القديمة فإنَّه لم يردْ فيها نصٌّ صريح بتحريم تعدُّد الزوجات، وإنما ورد في كلام رسولها الكبير استحسان الاكتفاء بزوجة واحدة لرجل الدين المنقطع عن مآرب دنياه [المرأة في القرآن للأستاذ عباس محمود العقاد ص133].

وقد قال (ولتر مارك) العالم الثقة في تاريخ الزواج: إنَّ تعدد الزوجات باعتراف الكنيسة بقي إلى القرن السابع عشر وكان يتكرَّر كثيراً في الحالات التي لا تحصيها الكنيسة [حقائق الإسلام وأباطيل خصومه للأستاذ عباس محمود العقاد ص178].

18 - ادعاؤهم أنَّ شعوب العالم لم تعدْ تستسيغ نظام التعدُّد ادعاء مردود بأنَّ هذه الشعوب تستسيغ عرفاً وقانونا شيوع تعدد العشيقات وشيوع الفاحشة وتستقبل ثمراتها الآثمة وهي مئات الألوف من الأولاد غير الشرعيين في كل عام فليس من حق هذه الشعوب أن تشمئز أو ترفض نظام التعدد.

19 - أما طلبهم تحريم التعدد في الشريعة بحجة المصلحة ومسايرة شعوب العالم وأنَّه من المباحات في الشريعة لا من الواجبات فالرد على ذلك:

إنَّ المصلحة في بقاء نظام التعدد لا في إلغائه، بل لو لم يَرِد نص في إباحته لأمكن على سبيل الاجتهاد والقول بإباحته فكيف يُستساغ الطلب بتحريمه بعد أن شرعه الله وثبتت مصلحته؟

ومسايرة شعوب العالم لا تكون بالباطل أو الخطأ وكونه من المباحات لا يبيح تحريمه لأنَّ المباح كالواجب مما شرعه الله وما شرعه الله فيه المصلحة قطعاً ولا يملك أي إنسان إلغاؤه وفسخه.

20 - وأخيراً فإننا نقول: إنَّ ادعاءهم بأنَّ شعوب العالم لم تعد تستسيغ نظام التعدد هذا الادعاء أصبح عتيقاً، والجديد إنَّ شعوب العالم أخذت تميل إليه بل إنَّ بعض كتَّابهم ومفكريهم دعا إلى الأخذ به، وتوقع أن تأخذ به قوانين أوروبا فالدكتور (ليبون يرى) أنَّ القوانين الأوربيَّة سوف تجيز التعدُّد ويذهب الأستاذ (اهرنفيل) إلى حد القول بأنَّ التعدُّد ضروري للمحافظة على بقاء السلالة الآرية [المرأة في القرآن للأستاذ عباس محمود العقاد ص134-135].

21 - إنَّ مشكلات العالم بخصوص زيادة عدد النساء أصبحت تجبر المهتمين بها على القول بأنَّ الحل يكمن في نظام التعدد لا في غيره حتى إنَّ إحدىٰ لجان مؤتمر الشباب العالمي المنعقد في ميونخ 1948م أوصت بضرورة الأخذ بنظام التعدُّد حلاً لمشكلة زيادة عدد النساء على عدد الرجال في العالم، وأن سكان بون في ألمانيا الاتحادية طلبت إلى السلطات المختصة في عام 1949م ضرورة النص صراحة في الدستور الألماني على إباحة التعدد [المرأة بين الفقه والقانون للأستاذ الدكتور مصطفى السباعي الطبعة الرابعة ص 75، ويشير السباعي في كتابه إلى أن الحكومة الألمانية أرسلت إلى مشيخة الأزهر تطلب منها نظام التعدد في الإسلام للاستفادة منه ص75].

إنَّ هذه الوقائع أخذت تفرض نفسها ولم يعدْ في المستطاع الشغب والتهويش على نظام التعدُّد في الإسلام لا يزالون يرددون ادعاءات عتيقة وشبهات قديمة أثارها أعداء الإسلام من زمن بعيد.

د - الادعاء بأنَّ في نظام التعدُّد مآسي كثيرة كالطلاق... الخ فالجواب على ذلك:

22 - إنَّ هذه المآسي ليست كما قالوا ولا بالقدر الذي زعموا فالطلاق مثلاً يزيد إذا منع التعدُّد ويقل إذا أبيح، والتشرد ليس سببه تعدد الزوجات بل أمور أخرى كما تدل على ذلك الاحصائيات [المرأة بين الفقه والقانون للدكتور مصطفى السباعي ص 912 ]..

والبغضاء بين الزوجتين قد تقع ولكنها تقل بإشاعة الوعي الديني ومعرفة حدود الشرع. والعداوة بين أولاد الزوجين قد تحصل ولكن هذا المحذور قد يقع أيضاً بين الإخوة لأب أو بين الإخوة لأم دون أن يكون سببها التعدد. وعلى كل حال فإن إشاعة الوعي الديني وحسن تربية الأولاد على معاني الإسلام كل ذلك يقلل الجفاء بين أولاد الزوجتين.

أما زيادة النسل بسبب تعدد الزوجات فهذا صحيح ولكن أي شيء فيه؟ إنَّ المسلمين تنفعهم زيادة النسل وإنَّ أعداءهم فقط تغيظهم هذه الزيادة والسبب معروف. أما أنَّ هذه الزيادة تجعل الآباء يقصرون بتربية أولادهم وتجعل الدولة تقصر في تقديم الخدمات المطلوبة لمواطنيها فهذا غير صحيح لأنَّ الأب القادر على رعاية الولد الواحد يقدر على رعاية الولدين، وعلى الدولة أن تعينه مادياً إذا احتاج كما تفعل بعض الدول. أما الدولة نفسها فإنَّ كثرة النسل فيها تؤدي إلى كثرة الأيدي العاملة، وهذه تؤدي إلى زيادة الإنتاج وهذه تؤدي إلى زيادة قدرة الدولة على تقديم الخدمات لمواطنيها. ومهما يكن الأمر فإن الدول الإسلاميَّة اليوم بمجموعها أغنى من أيَّة دولة أو مجموعة دول العالم ولا ينقصها إلا التخطيط والتنظيم والتعاون الصادق في الانتفاع بما حباها الله من خيرات وثروات.

23 – والخلاصة: فإنَّ نظام التعدد من محاسن الشريعة لا من مثالبها ومما نعتز به لا مما نستحي منه، ويقدم العلاج الحاسم لكثير من المشكلات الفرديَّة والجماعيَّة ومنافعه تزيد على مضارِّه، وهذه المضار القليلة مُتأتية من سوء استعماله لا من ذاته. فلا يجوز بعد هذا كله أن يُسمح لنفر من الجهَّال بالتشويش والشغب على هذا النظام الإسلامي الأصيل وفسح المجال لهذا الشغب بالانتشار عن طريق نشره في الصحف والمجلات وتأثر القوانين به كما حصل مع الأسف الشديد في بعض البلاد.

يتبع..

المصدر: المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية – الدوحة-1400هـ

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين