رحلة التغيير

أيها الإخوة الحجيج الذين أكرمَهم الله تعالى بالحج هذا العام، وطفقوا إلى بلادهم يرجعون!.. هنيئاً لكم ما سارعتم إليه من طاعة، وما احتملتم من أجلها من جهدٍ ومشقة، وباركَ الله لكم في حجكم، وأعادكم إلى بلادكم سالمين غانمين مأجورين، وهيّأ لكم السبيلَ لتعيشوا بعد حجكم المبارك، على الهدي والاستقامة، وكلِّ ما يرضي الله جل شأنه، وأبعدكم عن كل ما يسبب غضبه وسخطه وجعلكم من سعداء الدنيا والآخرة، هذه كلماتُ تحيةٍ وتذكير، ووداعٍ ووفاء، أملاهم الحب والأخوّة والشعور بالمسؤولية الإسلامية المشتركة.

يا إخوة الإسلام!.. إنكم -بحكم إسلامكم الذي تنتمون إليه، وبهذا الحج المبارك الذي جدد هذا الانتماء والولاء- مطالبون بإحداث تغيير عميق في حياتكم كأفراد، وفي حياة أمتكم كجماعة، ذلك؛ لأنكم مسلمون رضوا بالله تعالى رباً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وسولاً، وبالإسلام ديناً، ليس لكم أن تمنحوا ولاءكم إلا لإسلامكم فحسب، فعضوا عليه بالنواجذ، واحرصوا عليه أشد الحرص، واحذروا كل مبدأ دخيل، أو فكرة معادية، أو مذهب زائغ، واحذروا كل الدعوات التي تحاول أن تفصلكم عن دينكم مهما تظاهرت بالخير، وأخفت حقيقتها المدمرة، وزعمت أنها تريد الإصلاح، وأكّدت أنها لا تريد بالدين سوءاً، فلا تمنحوا ولاءكم إلا لمن تبع دينكم، وارتضاه حقاً وصدقاً، وقولاً وعملاً، وأعلنوها صريحةً قويةً مجلجلة، نحن المسلمين، لا نقبل إلّا شرع الله، وحكم الإسلام، عبادتنا لله وحد، وقدوتنا رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم وحده، والقرآن الكريم إمامنا ودستورنا.

وإنكم عندما تفعلون ذلك تنقذون أنفسكم في دينكم ودنياكم، وتنقذون أمتكم بعد ذلك، وهذا هو أعظم التغيير المرجو، والتطوير المطلوب، الذي سيمتد نطاق نوره وخيره وبركاته حتى يشمل الدنيا كلها بإذن الله. وحين تفعلون ذلك، وأنتم القادرون على إقامة مجتمع الحق والعدل، والبر والمرحمة، والنور والمساواة، والفضائل والمكرمات، وإن بوسعكم إقامته، كما أقامه أسلافكم من قبل، نموذجاً أعلى للبشرية كيف ينبغي أن تكون، وتطبيقاً عملياً لما يعود الإيمان به على الناس من خيرات عظيمة، حين يخلص الناس له المحبة والوفاء والولاء.

وأنتم المطالبون بإقامة هذا المجتمع، إعذاراً إلى الله عز وجل، وأداءً للأمانة، ووفاءً بحق هذا الدين العظيم، ورحمةً بالناس الذين آذتهم القوانين الجائرة، والمبادئ المستوردة، والأفكار الظالمة، وفتكت بهم الجاهلية بشتى أشكالها وانتماءاتها، وإنكم لَمطالبون بإقامة هذا المجتمع أيضاً، إبراءً لذمتكم، وإنقاذاً لأنفسكم من تبعة التقصير، وإسعاداً لأنفسكم كأفراد، ولأمتكم كجماعة، وللإنسانية كلها، وإنكم وحدكم المهيؤون لذلك بحكم انتمائكم للإسلام الخالد، وإيمانكم بالقرآن العظيم، وانتسابكم لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ما بقيتم على حسن ولائكم لإسلامكم، وحسن وعيكم لحقائق هذا الولاء وصادق عزمكم على الوفاء بمستلزماته ونتائجه.

يا إخوة الإسلام!.. أنتم اليوم مدعوون لإنقاذ الإنسان المعاصر من مآسيه التي يكابدها، وأحزانه التي يعاني منها، وهمومه التي تفتك به، ومتاعبه التي تؤسيه، والقلق الذي يمزقه، والحيرة التي تسحقه والتيه الذي يخبط فيه، لقد شقي طويلاً طويلاً، أشقته الجاهليات الجديدة التي تنأى عن الهدى، وتصدُّ عن الحق، وتبتعد عن منهج الله عز وجل، وتتعبد للمادة وزيادة الإنتاج وغير ذلك من الأصنام المعنوية الجديدة.

 هذه الجاهليات الجديدة أشقته، ومزّقت حياته، ودمّرت إنسانيته، وانتزعت منه خصائصه النفسية التي يصبح بدونها حيواناً أعجم، أحرقت أعصابه، وآدت منكبيه، ولعله لم يشقَ إنسان قط خلال التاريخ كله، كما شقي الإنسان المعاصر، مما يجعل الحاجة إلى إنقاذه أمسَّ وأعظم، وإن ذلك بوسعكم -يا إخوة الإسلام- وإنكم عليه لقادرون، وإنه ليس بمقدور سواكم أن يؤدي هذا الدور المرتقب الكبير، فهو عليكم مقصور، وفي إمكانكم وحدكم محصور، ما بقيتم على حسن ولائكم لإسلامكم، وحسن وعيكم لحقائق هذا الولاء وصادق عزمكم على الوفاء بمستلزماته ونتائجه.

إنَّ هذا العصرَ ليلٌ فأَنِرْ ** أيها المسلمُ ليلَ الحائرين

وسفينُ الحقِّ في لُجِّ الهوى ** لا يرى غيرَكَ ربّانَ السفين

هكذا هتف إقبال -رحمه الله- شاعر الإسلام الكبير، وهو من أكثر الناس معرفةً بطبيعة العصر، والمتاعب التي تواجه الحضارة، وهو من أكثر الناس وعياً بحقيقة المسلم ودوره ومهمته، وقيادته وريادته، فكان هتافه هذا، هتاف الخبير الذكي المدرك أن الإنقاذ بيد المسلم، وبيد المسلم وحده.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين