رجال ومواقف: المسلم الأسير ورستم قائد الفرس

رستم – جالينوس – حاجب – رجل مسلم

رستم: إن يزدجرد رجل قليل التجربة والخبرة.. "في ضيق وتأفف" أقسمُ بالنار أنه ليس أهلاً لحكم فارس.

جالينوس: صدقت يا رستم.

رستم: "في ضيقة" آه.. آه.. لو لم يكن هؤلاء المسلمون في حربٍ معنا لكان لي مع يزدجرد هذا شأن آخر.

جالينوس: هوّن عليك يا رستم.. أنت بطل فارس، وأنت فارسها المؤمل، وبلادنا اليوم يكاد يجتاحها هؤلاء المسلمون الغزاة.. فدع عنك يزدجرد فأمامنا اليوم ما هو أخطر.

رستم: ويحك يا جالينوس.. إنني اليوم بين نارين. يزدجرد وَلّاني قتال هؤلاء المسلمين.. لكنه ما زال يلاحقني برسائله وأوامره.

جالينوس: إنه يود الإسراع في مقابلة المسلمين في معركة فاصلة.

رستم: هو رجل لا علم له بالحرب.. وأنا أريد أن أطاول هؤلاء، فليس من صالحنا لقاؤهم الآن.

جالينوس: "في لهجة متسائلة" فذلك الذي أهمّك يا رستم؟

رستم: هو ذاك يا جالينوس، نار يزدجرد من ورائي، ونار المسلمين يقودهم سعد بن أبي وقاص من أمامي.

جالينوس: أنت أمل فارس في محنتها اليوم، فدع عنك ما يؤذيك، فثمة معركة ضارية تنتظرنا في القادسية.

رستم: "محزوناً" يزدجرد أكل قلبي، فهو يلاحقني بأوامره من المدائن.. وعُمر أكل قلبي هو الآخر.. إنه مقيم في المدينة ويسرب إليّ هؤلاء المقاتلين الشجعان.

جالينوس: "في احتقار" أهؤلاء مقاتلون؟ أهؤلاء شجعان؟ لا يا رستم!.. نحن أبناء فارس أقوى منهم وأعظم.

رستم: ليس حكيماً يا جالينوس من استهان بقوة أعدائه.

جالينوس: أما تذكر شأن هؤلاء يا رستم قبل سنوات قلائل؟ لقد كانوا أشقى الأمم حظاً.

رستم: صدقت.. لقد كانوا كذلك.

جالينوس: كان الذي يُوفَّقُ للقدوم إلى بلادنا في تجارة أو زيارة يعدُّ نفسه صاحب حظ عظيم.

رستم: "في ضيق" صدقت.. صدقت.. كانوا.. كانوا.. كانوا.. انظر إليهم اليوم يا جالينوس.. أما اقتحموا على هِرَقْل ديار الشام!؟

جالينوس: بلى.

رستم: أما هزموا جيوشه الجرارة وهو الإمبراطور المظفر الذي هزمنا قبل سنوات قليلة وكاد يقتلع فارس من أصولها!؟

جالينوس: بلى.

رستم: أما مضت عليهم ثلاث سنوات وهم يجوسون خلال ديارنا يقتلون ويأسرون؟

جالينوس: بلى.

رستم: إنَّ لهؤلاء شأنا جديداً في يومنا هذا..

جالينوس: "في ازدراء" لا تعظّم شأنهم يا رستم.

رستم: "في صوت هادئ حزين" بل أنت لا تُحقِّر من شأنهم يا جالينوس.. وددتُ لو عرفتُ كيف حدث في هؤلاء مثل هذا التغيير الكبير..

جالينوس: "في صوتٍ متردد" أأصارحكَ يا رستم؟

رستم: أجل.. الصراحة خيرٌ لي ولك.. وأنت عندي محل ثقة يا جالينوس من بين قادة جيشي هذا.. فقل ما شئت.

جالينوس: إن يسمع جيشك هذا الذي تقول، ينكل عن القتال.. لأنه سيزدري نفسه، ويهول من أمر المسلمين.

رستم: "في صوته الهادئ الحزين".. لقد نصحتني فصدقتني يا جالينوس.. وأنا سوف أصدقك كذلك.

جالينوس: شكراً لك.. أرجو أن أكون عند حسن ظنك.

رستم: لقد ألقِيَ في خلدي أن الهزيمة سوف تحل بنا..

جالينوس: "في استنكار" لا.. يا رستم.. لا.. غيرك يقول ذلك.

رستم: إنَّ لهؤلاء المسلمين نيةً في القتال صادقة أمضى من عَددنا، وأقوى من عُددنا.

جالينوس: ما أراك إلا قد بالغت يا رستم.

رستم: لماذا نحن نتجادل هكذا؟ فلنحضر الأسير المسلم الذي طلبت منك ومن آزاذ مرد أن تأتياني به ولنتحدث معه.

جالينوس: "في صوتٍ عالٍ" أيها الحاجب.. أيها الحاجب!..

"باب يُفتَح – وقع خطى"

الحاجب: أمر مولاي..

جالينوس: سيدك رستم يريد إحضار الأسير المسلم الذي من الغرفة المجاورة.

الحاجب: في الحال يا مولاي.. "خطاه ينصرف.. الباب يُغلَق"

جالينوس: حين طلبتَ أن نأتيك برجل من جند سعد ركبت بنفسي ومعي آزاذ مرد في مئة رجل.. حتى انتهينا إلى القادسية فوجدنا واحداً من جند المسلمين منفرداً فاختطفناه وعُدنا به سريعاً، ولم يتمكن الأعداء من اللحاق بنا.

رستم: أنت عندي يا جالينوس أحب قوّادي إليَّ، وإني لأضع بين يديك ما أقتنع به ما لا أضعه لدى الآخرين..

"الباب يُفتح.. خطى رجلين وصوت سلاسل"

الحاجب: هذا هو الأسير يا مولاي..

رستم: فك قيوده أيها الحاجب وانصرف..

الحاجب: أمر مولاي.. "قعقعة القيود يفك.. خطى الحاجب.. الباب يُفتح ويُغلَق"

رستم: "في همس" نحن وحدنا مع هذا الأسير يا جالينوس.. وسنحاول معرفة ما الذي في نفوس جيش سعد من حديثنا معه.

رستم: من أنت أيها الرجل؟

المسلم: "في صوت تظهر عليه القوة والثقة خلال الحديث كله، وحتى نهاية المشهد" رجلٌ من عامة المسلمين.

رستم: أتدري أين أنت الآن؟

المسلم: أسيرٌ بين أيديكم.

رستم: أنت الآن تُحدِّث "يفخم الكلام" رستم بطل فارس..

المسلم: أنت رستم إذن قائد جيش الفرس..

رستم: اسمع أيها الرجل.. واصدقني في الحديث.

المسلم: لأصدُقنَّك في الحديث كائناً ما كان الأمر.

رستم: ما جاء بكم؟.. وماذا تطلبون؟

المسلم: جئنا نطلب موعود الله.

رستم: وما هو.. "في هزء" هذا الموعود الذي جئتم تطلبون؟

المسلم: أرضكم وأبناءكم ودماءكم إن أبيتم أن تسلموا.

رستم: "في هزء وبلهجة متسائلة" فإن أسلمنا؟

المسلم: إن أسلمتم فنحن منكم وأنتم منا.. لكم ما لنا وعليكم ما علينا.

رستم: "في هزء" وإن أبينا؟

المسلم: أنتم عندها بين أمرين، إما القتال وإما الجزية.

رستم: وما الجزية؟

المسلم: مالٌ تدفعونه لنا، وتأمنون على دياركم وأموالكم.

رستم: "غاضباً" نحن ندفع لكم مالاً؟! "يقهقه ساخراً" ها.. ها.. ها.. "بعد صمت قصير" فإن أبينا؟

المسلم: ليس أمامكم سوى القتال.

رستم: فإن قُتِلتم؟

المسلم: في موعود الله أن من قُتِل منا أدخله الله الجنة، وأنجز لمن بقي منا ما قلت لك.

رستم: "ساخراً" هكذا إذن..

المسلم: أجل نحن على يقين.

رستم: "ساخراً" قد وُضِعنا في أيديكم إذن؟

المسلم: ويحك يا رستم.. إن أعمالكم وضعتكم فأسلمكم الله بها، فلا يغرنك ما ترى حولك.. فإنك لست تجاول الإنس، وإنما تجاول القضاء والقدر..

رستم: "غاضباً صارخاً: القضاء والقدر.. القضاء والقدر.. لأدفننَّكم في القادسية غداً.

المسلم: بل نحن سوف نفعل إن شاء الله.. وما أحسبك ستعود حيّاً إلى بلادك يا رستم.

رستم: "صارخاً غاضباً" أيها الحرس اقتلوا هذا الرجل.. اقتلوه..

المسلم: لك الحمد يا رب رزقتني الشهادة في سبيلك.

"ضجّة.. وقع خطى كثيرة.. قعقعة سلاح.."

رستم: خذوا هذا الرجل فاقتلوه..

الحاجب: أمر مولاي.. "يخرج ويخرج المسلم وتهدأ الضجة"

رستم: "بعد صمت، وفي صوت حزين" أرأيت يا جالينوس إلى هذا الرجل وهو من عامة جندهم!؟

جالينوس: أجل رأيت يا رستم..

رستم: إن الهزيمة ستحل بنا في القادسية.. سأدخل هذه المعركة كارهاً يا جالينوس طاعةً ليزدجرد الذي أكل قلبي بأوامره..

جالينوس: نحن أكثر عدداً، وأقوى عُدة يا رستم.

رستم: "في هدوء حزين" لكن هل فينا مثل هذا الرجل الذي هو من عامة جيش سعد؟.. عمر أكل قلبي بهذا الجيش الذي أرسله.. وما أحسب إلّا أن شمس فارس قد آذنت بالغروب، وبدأ فجر هؤلاء المسلمين.

*****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين