رجال ومواقف: الفقير وخالد بن عبد الله القسري

(1)

رجل – زوجته

الزوجة: "في صوت حزين" إن الصغار قد فتك بهم الجوع.. والله إنه ليتقطع قلبي حزناً كلما نظرتُ إليهم.

الرجل: "في صوت يبدو عليه الضجر" أفٍّ أفٍّ.. ويحك يا امرأة!.. أقادرٌ على شيء أنا ثم أبخل به؟

المرأة: لا.. ما قلتُ ذلك.. لكن أَمَا تجد لك حيلة؟

الرجل: لو وجدت لي حيلة لسارعت إلى إنفاذها فوراً..

المرأة: وهل ستسعى الحيلة إليك يا رجل؟.. "في صوتٍ حادٍّ سريع" اخرج، فكِّر، امضِ إلى الأسواق، اطرق أبواب الموسرين.

الرجل: لا تُكثِري عليَّ اللوم يا امرأة!.. "غاضباً" هل آثرتُ نفسي بشيء دونك أو دون الصغار؟

المرأة: اللهم لا..

الرجل: هل عندي مالٌ مُدَّخر؟

المرأة: اللهم لا..

الرجل: هل وجدتُ من أستدينُ منه فأبَيتُ؟

المرأة: اللهم لا..

الرجل: إذن فَلِمَ اللوم!؟

المرأة: "المرأة في صوت عتابٍ وحنان" إني لا ألومك يا رجل.. وما أنت بمُقصِّرٍ أو مُتَّهم..

الرجل: بورك فيكِ، وجُزِيتِ خيراً.

المرأة: لكن هذا القعود لا ينفع، إن مع العسر يسراً، فاخرج عسى أن تُوَفَّقَ إلى رزق طيب حلال.

الرجل: "في صوتٍ هادئ" لقد مللتُ والله من الخروج.. ولكن هو أحسن من القعود. لأخرُجَنَّ وعسى أن أعود غير خائب.

المرأة: وفقك الله ورعاك.. وأكثرَ بين يديك الخير.

الرجل: تدبري أمر الصِّبية الصغار حتى أعود.. السلام عليكم. "يسمع صوت خطاه مُنصرفاً"

الزوجة: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. اللهم فرِّج عنا هذا الضيق يا أرحم الراحمين.

(2)

الرجل – صديق له

الصديق: لقد أحزنني والله أمرك.. لكنَّ الذي بين يدي قليل، وأنت أدرى بحالتي..

الرجل: صدقت والله.

الصديق: ومع هذا فلأبعثنَّ إلى دارك الساعة بشيء من الطعام للصغار وأمهم.

الرجل: جزيت خيراً.

الصديق: عزيزٌ عليَّ والله ما تَلقَى يا أخي.. وددت لو أني أقدر على مدِّك بمالٍ يطيب به حالك.

الرجل: "في حزن وبصوت فيه شيء من التأفف" بارك الله فيك.. أخشى أن تكون أنت الآخر بحاجة إلى غوث.

الصديق: "بعد صمت" أما فكرتَ بالشخوصِ إلى الأمير؟

الرجل: أي أمير تريد؟

الصديق: خالد بن عبد الله القسري.

الرجل: أوَ تنصحني بالذهاب إليه؟

الصديق: والله ما أدري حقيقة حاله.. لكنني سمعت الناس يمتدحونه ويصفونه بالجود.

الرجل: لأذهبنَّ إليه، ولأعرض له شكاتي بما يفجؤه ويدهشه.

الصديق: وكيف ذلك؟

الرجل: خاطِرٌ ألقِيَ في خَلَدي أنه لي نافع.

الصديق: على بركة الله!.. لكن لا تنسَ أن تعود إليَّ لتحدِّثني بشأنك مع خالد.

الرجل: سآتيك إن شاء الله.

الصديق: إن شاء الله.

(3)

الرجل – خالد بن عبد الله القسري – خادم – غلام

الخادم: "في حِدَّة" لماذا لم تنصرف أيها الرجل.. أما قلتُ لك: انصرف؟

الرجل: "في عناد" وأنا ألم أقل لك: لن أنصرف؟

الخادم: يا لك من لجوجٍ مُعانِد.. أما تخشى أن يرتاب بك الحرس إذ يرونك تطيل اللبث إزاء دار الأمير خالد بن عبد الله القسري؟

الرجل: "في عناد" لا.. ما أخشى ذلك.. لقد طلبتُ أن تأذنوا لي بالدخول على الأمير فأبيتم.. وسأبقى هنا حتى إذا خرج عدَوْتُ إليه، عندها افعلوا ما تريدون.

الخادم: "في ضجر" لا حول ولا قوة إلا بالله.. اللهم أمضِ هذا اليوم في سلامةٍ وعافية.

لغط وضجة – باب يُفتح – وقع أقدام..

الخادم: "في صوت متعجل مضطرب" انصرف أيها الرجل، لا تعرضن نفسك لمكروه، فقد خرج الأمير من داره. "صوت خطى"

الرجل: أوَقد خرج حقاً؟

الخادم: أي والله.. أما تراه؟ إنه ذلك الذي يهمُّ بوضع رجله في ركاب دابته.

الرجل: "صوت ركض سريع" أيها الأمير!.. أيها الأمير!.. أطال الله بقاءك.. إنَّ لي عندك حاجة.

خالد: "في صوتٍ رزين" قل ولا تخف.

الرجل: "في صوت مضطرب" أيها الأمير ناشدتكَ الله إلّا ضربتَ عنقي.

خالد: ولِمَ ويحك!؟ أكُفرٌ بعد إيمان؟

الرجل: لا..

خالد: أفترغبُ عن طاعة الرحمن!؟

الرجل: لا..

خالد: أفقتلتَ نفساً!؟

الرجل: لا..

خالد: فما سبب ذلك إذن!؟

الرجل: لي خصم لجوج قد علق بي ولزمني وقهرني.

خالد: من هو خصمك يا ترى!؟

الرجل: الفقر أيها الأمير!..

خالد: فكم يكفيك لدفعه!؟

الرجل: أربعة آلاف درهم.

خالد: إني مُمِدّكَ بأربعة آلاف درهم. "صوته عالياً" يا غلام.. يا غلام!..

الغلام: أمرُ مولاي.

خالد: ادفع له أربعة آلاف درهم في الحال.

الغلام: أمرُ مولاي.

خالد: "بعد صمت" أيها الرجل هل رأيتَ أحداً من التجار ربح مثل ربحي هذا اليوم؟

الرجل: وكيف ذاك!؟ أطال الله عمرك..

خالد: لقد عزمتُ على أن أدفع لك ثلاثين ألف درهم، فلمّا طلبت أربعة آلاف وفَّرتَ عليَّ ستة وعشرين ألف درهم.

الرجل: حاشاك وأعيذك أن تربح على مُؤمِّلِكَ أيها الأمير، فإنك بالجود معروف مشهور.

خالد: أما إنك لذو بيانٍ ولسان!.. "في صوتٍ عالٍ" يا غلام!..

الغلام: أمرُ مولاي.

خالد: أعطِ هذا الرجل ثلاثين ألف درهم.

*****

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين