ربيع خصيب ممراح

يا أيها الحجيج الذين أكرمَهم الله تعالى بالحج هذا العام، وطفقوا إلى بلادهم يعودون!..

 تقبل الله منكم حجكم، واستجاب دعاءكم، وجعل حجكم مبروراً، وسعيكم مشكوراً، وذنبكم مغفوراً، وأعادكم سالمين غانمين، وحماكم من السوء وعصمكم من الآثام.

يا أيها الحجيج!.. يا إخوة الإسلام في كل مكان من المحيط إلى المحيط، من سواحل المغرب إلى مشارف الصين!.. يا إخوة الإسلام من سُمرٍ وبِيض، سودٍ وصُفر، مسافرين ومقيمين، مهاجرين ومغتربين!..

أنتم اليوم بشائرُ فجرٍ سيطلع، وإقبالٌ بعدَ إدبار، وامتدادٌ بعد انحسار، ونورٌ بعد ظلمة، وخيرٌ بعد شر، ونصرٌ بعد هزيمة، وأنتم اليوم بوادرُ وثبةٍ كريمةٍ مشرّفة، وطوالعُ زحفٍ إسلامي ميمون، ينقذ الأمة المسلمة مما تعاني وتكابد، ويقود خطاها للظفر والعلو والغلبة، ويجعل الإسلام فيها الحكم، والقرآن فيها الدستور.

يا إخوة الإسلام!.. أنتم اليوم تقاومون التحديات، وتغالبون الصعاب، وتفكرون وتدبرون، تخططون وتناقشون، وإن فيكم طلائع من طلائع الخير، هم على حظٍّ من الوعيِ كبير، وقَدْرٍ من الفهمِ طيِّب، وإحساسٍ جدي بالمسؤولية. وإن الإخلاصَ ماثلٌ فيما يعملون، والصدقَ فيهم حقيقيٌّ وجاد، والنيةَ طيبةٌ زكية، هكذا تراهم، وهكذا تلمس شخصياتهم المؤمنة التي ينعقد عليها أمل كبير.

يا إخوة الإسلام!.. إن شمسكم الخيِّرة تكاد تشرق على الأكوان، وإن ربيعكم الخصيب الممراح أوشك أن يطل على هذه المعمورة، ها هي ذي البشائر يقترب موكبها البهيج، وها هو ذا النور تدب رويداً رويداً خيوطه الذهبية الحبيبة، وها هو ذا الشجر يورق بعد عُرْي، والأغصان تزهر بعد مَوات، والزهرات الحسان ينحسر الصقيع عنهن، وظل الغفلة يرحل، وغيهب الجهالة يتقشَّع، وليل الأحزان يتصرم، ذلك أن في المسلمين اليوم بداية صحوة إيمانية كريمة.

ما أحلاها من بشرى وضيئة!.. ما أجملها من رواية حبيبة أثيرة، تصافح الأذن!..

 إن في المسلمين لَصحوة.. ها هم يُحْيون البدايات الحقيقة الصعبة التي لا بد أن يواجهها الرواد، وها هم يضعون أرجلهم على أوائل الطريق، ويا للروعة والبشر!.. يا لسعادة المسلمين!..

إنَّ دماء الشهداء لم تضعْ، وإن تضحيات الأبطال لم تذهب هدراً، وإن ثبات الرجال الكرام الأوفياء الذين ابتلوا بسبب إصرارهم على الحق، ونأيهم عن الباطل، وإبائهم أن يتحولوا إلى مهرجين في مواكب الطغاة لم يذهب أدراج الرياح، وإن أصوات الدعاة الصادقين لم تتبدّد ولم تمت، بل ضربت عميقاً عميقاً في وجدان الأمة، وها هي ذي براعمها وقد نبتت، وإنها سوف تنمو بإذن الله وتزدهر، ويشتد ساقها، وتقوى وتعلو، ترعاها عناية السماء، وتسهر عليها عيون المؤمنين، وتباركها دعوات الصالحين، وتحميها سواعد الأوفياء لدينهم العظيم.

 وإن اليوم الذي سوف تؤتي أكلها فيه قادم بإذن الله، قادم لا ريب في قدومه، فالبداية الصحيحة قد اهتدى إليها المسلمون، وها هي طلائعهم تلتزمها بوعيٍ وذكاء، وحماسةٍ وإصرار، وصدقٍ وإخلاص، وعزائمَ كالصخرِ راسيةٍ شمّاء.

يا إخوة الإسلام!.. كثيرة هي الهجمات التي اقتحمت ديار المسلمين، وكثيرة هي النكبات التي ألمّت بهم، وكثيرة هي الرزايا التي فتكت بهم، غزواً عسكرياً، واستعماراً اقتصادياً، واحتلالاً موبوءاً، وحرباً فكرية، بل وإبادة وتصفية جسدية، بهدف القضاء التام عليهم، ومحو اسمهم من سفر الوجود، محواً مادياً ومعنوياً على السواء، لكن ذلك كله، على الرغم من عتوّه وفتكه، وبطشه وإيذائه، وحقده الدفين، ومبالغته في العداوة وصنوف الدمار، آبَ بالخيبة والخذلان، وعاد بالخسارة والاندحار، وبطل كيده وسحره ومكره، وظل هذا الدين العظيم راسياً ثابتاً، وبقي القرآن الكريم خالداً محفوظاً، ونجت أمتنا وعاشت لغتنا، بل وانطلقت بعض موجاتنا الإسلامية في أشد الظروف صعوبة، لتكتسب مواقع جديدة للراية القرآنية لم تكن قد كسبتها من قبل.

يا أيها الحجيج العائدون!.. كونوا من الساعين لمجد الإسلام، المكافحين لتعلو رايته، وكونوا مع المجاهدين من أجل هذا الدين لا مع القاعدين، وأبرئوا ساحتكم أمام الله عز وجل من التقصير، اجعلوا ولاءكم للإسلام وحده، وطالبوا بتطبيقه، واجعلوا إمامكم القرآن، وطالبوا به دستوراً لحياتكم في كل ميادينها، واستفرغوا جهودكم من أجل استئناف حياة إسلامية خالصة، حتى تعلو كلمة الله وحدها في كل ديار المسلمين، وترفرف راية الإيمان خفاقة عالية، ويذهب بدون عودة ليل الجاهلية الكريه المشؤوم.

*****

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين