ديمقراطية النخبة المثقفة

 

 

د.أحمد محمد كنعان

 

انطلق الربيع العربي ينشر عبيره الفواح في أرجاء الوطن العربي الكبير ، من المحيط إلى الخليج ، وتحررت بلدان عربية عديدة من قبضة الاستبداد الذي جثم على صدرها عقوداً طويلة ذاقت خلالها الصاب والعلقم !
وقد شهد هذا الربيع لأول مرة في تاريخ العرب الحديث ظواهر جماهيرية جديدة لم نألفها في عهود الاستبداد ، منها تنظيم انتخابات ديمقراطية حقيقية لأول مرة في تاريخنا الحديث ، انتخابات شهد المراقبون بنزاهتها وشفافيتها ، على العكس من الانتخابات والاستفتاءات التي كانت تجرى في الماضي في ظل الاستبداد ، وكان التزوير يجري فيها جهاراً نهاراً بكل صفاقة .. على عينك يا تاجر !
ومن تلك الظواهر كذلك المشاركة الجماهيرية الواسعة التي لم يسبق لها مثيل ، فلأول مرة في تاريخ الانتخابات العربية أصبحنا نرى طوابير المقترعين وهم يتزاحمون على مراكز الاقتراع حتى إن بعضهم لم يتمكن من الإدلاء بصوته لشدة الازدحام !
إلا أن الظاهرة الأكبر والأكثر إدهاشاً كانت اكتساح الإسلاميين لانتخابات الربيع العربي وحصدهم للنصيب الأكبر من الأصوات ، ومن ثم مقاعد البرلمان ، وقد حقق الإسلاميون هذا الكسب الكاسح على الرغم مما تعرضوا له طوال عهود الاستبداد من إقصاء وتهميش ، واعتقال وتعذيب ، وتصفيات جسدية ، وطرد من الوظائف ، ومنع من المشاركة فيالحياة السياسية !
وهكذا كسب الإسلاميون الشارع العربي من أقصاه إلى أقصاه ، واستعادوا مكانتهم اللائقة في الساحة السياسية ، مما يبشر بعهد جديد لهذه الأمة بعد أن عاد لها وجهها الإسلامي الوضيء ، وقد طرح هذا الاكتساح الإسلامي للساحة السياسية سؤال كبيراً فحواه : كيف استطاع الإسلاميون تحقيق هذه النتائج العظيمة بالرغم من السنوات العجاف التي عاشوها في سجون الاستبداد وأقبية التعذيب والمنافي البعيدة ؟
والجواب باختصار شديد أن الأمة العربية أمة مسلمة لن تتخلى عن هويتها الإسلامية مهما حاولت الأنظمة الدكتاتورية أن تقصيها عنها ، ولقد قالت الأمة كلمتها أخيراً واختارت العودة إلى الجذور ، وهذا ما أثار حفيظة الساخطين من دعاة الديمقراطية المزيفين الذين ظلوا طوال نصف قرن من الزمان يطبلون ويزمرون للديمقراطية ويقدمون أنفسهم للجماهير على أنهم دعاة الديمقراطية والحرية والمساواة ، وإذا بهم يسقطون عند أول امتحان ، ويدورون حول انفسهم 180 درجة ليقول قائلهم إن رأي الأغلبية ما هو إلا رأي الغوغاء والجهلة ، وأن الديمقراطية الحقة هي التي تقودها "النخبة المثقفة" أي هم دون غيرهم .. عجبي !
د.أحمد محمد كنعان

 

جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين